IMLebanon

عودة المستقبل إلى «صِباه»: ضد حزب الله ولو قاتل الإرهاب

تتوسع رقعة الانقسام داخل تيار المستقبل. معركة تحرير جرود عرسال واحدة من الشواهد. فبعد أن انساق جزء من جمهوره ونوابه إلى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة في حربهم ضد الإرهاب، خرج «المستقبل» الرسمي ليعيد الأمور إلى نصابها «نحن ضد حزب الله والمقاومة»، وتصوير المعركة على أنها حرب بين تنظيمات إرهابية «يضرب بعضها البعض»

ليس من المُعتاد أن تلتزم غالبية قوى ما كان يُعرف بفريق الرابع عشر من آذار الصمت تجاه أي عمل يقوم به حزب الله، في لبنان مروراً بسوريا والعراق واليمن، وصولاً إلى ما يتهمه به أعداؤه.

ولطالما اتخذت مكونات هذا الفريق من أخبار «الحزب» مادّة لكيل الاتهامات لكونه «ميليشيا تعيث في العالم خراباً وفاسداً أينما حلّت»، لتأليب الرأي العام عليه على قاعدة أنه «ينفّذ أجندة إيرانية ــ سورية يخرّب علاقات لبنان بسائر الدول العربية والأجنبية، ويضرب اقتصاده وينتهك سيادته».

لكن للمفارقة، وللمرّة الأولى، انتظرت هذه القوى أربعة أيام حتى تخرج ببيانات استنكارية للدور الأساسي الذي يلعبه حزب الله في معركة تحرير جرود عرسال من الجماعات الإرهابية التي تحتله. فلماذا صمتت رغم أن المعركة معلنة مسبقاً؟ ولماذا بقي سقف انتقاداتها منخفضاً نسبةً إلى ما درجت عليه العادة في قضايا أقل أهمية من شنّ عملية عسكرية في الجرود؟

ممّا لا شكّ فيه، أن الغطاء السياسي لهذه العملية كان مؤمَّناً بنسبة كبيرة، حتى من قبل الأحزاب والتيارات التي تناهض الحزب علناً في قتاله الجماعات الإرهابية. ولا شكّ في أنها قالت في الكواليس كلاماً مغايراً لكل المواقف التي أعلنتها يوم أمس، وكانت تفضِّل أن تبقى موافقتها ضمنية، ومحصورة خلف مكاتب قياديين محددين. غير أن حالة الالتفاف الشعبي غير المسبوق حول «المقاومة»، التي انضم إليها جزء من جمهور فريق 14 آذار، على وسائل التواصل الاجتماعي أحرجت قيادات هذا الفريق بعد أن شعرت بأن الأمور تخرج عن سيطرتها إلى حد ما، وهي التي عملت منذ عام 2005 وما قبلها على حقن هذا الجمهور ضد الحزب.

خلقت هذه الحالة استنفاراً داخل الأحزاب والتيارات الآذارية، فخرج نوابها لحفظ ماء الوجه عبر إنكار لبنانية الجرود، واعتبار المعركة جزءاً من الحرب السورية. ومن ثمّ توالت البيانات الرسمية للقوات والكتائب وتيار المستقبل لتأكيد أن «الجيش اللبناني هو وحده من يتحمّل مسؤولية الدفاع عن الأراضي اللبنانية». غير أن موقف «المستقبل» بشأن ما يحصل كان ظاهرة بحدّ ذاتها.

انقسم «المُستقبل» في ما بينه، إن على صعيد النواب أنفسهم أو الجمهور. فكان لافتاً مثلاً موقف النائب محمد قباني الذي رأى أول من أمس «أننا في هذه المعركة لسنا في خطّ مضاد مع حزب الله، وما دام الدور الذي يقوم به في هذه العملية سينتج منه إبعاد الإرهابيين وعودة عرسال إلى أهلها، فهذا أمر إيجابي». وكان لافتاً أيضاً موقف النائب نضال طعمة الذي توجّه بـ«تحية إلى كل الجهود المؤازِرة لجيشنا الوطني، التي تؤدي مستقبلاً إلى بسط سلطته وهيبة الشرعية على كامل الأرض اللبنانية»، رُغم الالتباس الذي يحمِله. وقد سبق هذين الموقفين، خطّان متعارضان داخل الجمهور المستقبلي. فقد عبّر جزء (ولو قليلاً) من هذا الجمهور، عن مشاعر وطنية تأييداً لتحرير الجرود، أو على الأقل، عدم ممانعته لما يجري.

لكن هذا التوجه الذي انساق إليه مستقبليون، سرعان ما تنبّهت له قيادة التيار، كتنبهها إلى كون العملية العسكرية في الجرود تحظى برضى أكثرية اللبنانيين، من نخب وجمهور. ولهذا السبب، أصدر تيار المستقبل بياناً أمس شدّد فيه على «اعتبار الجيش اللبناني هو القوى الأمنية الشرعية، والأداة الحصرية للدفاع عن لبنان واللبنانيين وحماية الحدود». وفي محاولة منها لردع الجهور عن الانخراط في هذه الحالة، حدّدت السقف الذي يجب التزامه: «الالتفاف حول الجيش، وتفويت الفُرص على المصطادين في المياه العكرة، واللاهثين وراء تمنيات لن تتحقق». والتمنيات كما يعرّف عنها التيار هي «إضفاء الشرعية الوطنية على مشاركة الحزب في الحرب السورية». ولتحوير أنظار هذا الجمهور عن حقيقة أن المعركة في جزء منها تدور فوق أرض لبنانية متداخلة مع سوريا، وأن ما تقوم به المقاومة إلى جانب الجيش هو حماية لكل اللبنانيين من الإرهاب المُحدق بهم، أخذ التيار الحدث إلى مكان آخر. لا يريد الأخير لأي فرد داخل جمهوره أن يتعاطف مع شباب حزب الله، ولو كان يقاتل الشيطان لا جبهة النصرة أو داعش. مجرّد التعاطف مع الشهداء هو أمرٌ مرفوض ومُدان فقط لأنهم من المقاومة. فكيف السبيل إلى ذلك؟ أسهل طريق إليه هو مساواة شباب الحزب بعناصر التنظيمات الإرهابية، عبر الترويج لنظرية أن المتقاتلين في الجرود متشابهون، وأن الموقف يجب أن يكون ضد الاثنين معاً. ويروّج مستقبليون إلى أن «إرهاب حزب الله أخطر من إرهاب التنظيمات الأخرى، لكونه يهدّد مشروعنا السياسي، وهو العبور إلى الدولة». وقد نجح التيار إلى حدّ كبير في إعادة البعض من جمهوره إلى «رشده» وإجباره على استئناف التعامل مع الحزب على وسائل التواصل كتنظيم إرهابي وفصل الجيش اللبناني عنه في هذه المعركة.

قياديون داخل تيار «المستقبل» وفي معرض تناولهم لهذا الانقسام، أصروا على «عدم وجود إجماع وطني حول دور المقاومة»، وأصروا أيضاً على أن «حزب الله يقاتل داخل الأراضي السورية، كما حصل في حلب وإدلب ومناطق أخرى، لكن صودف هذه المرة أنها على الحدود مع لبنان». برأيهم، إن «الانقسام المؤقت، سببه استفادة الحزب من عدد من الملفات من التفجيرات الإرهابية وخطف العسكريين لتغليب وجهة نظره، بأن هناك خطراً يطاول كل اللبنانيين ويتطلب منهم الالتفاف حول المقاومة لتحميهم». كذلك إن سبب هذا الانقسام داخل التيار يعود إلى «غياب تعميم داخلي يقول إنه ضد الحزب في هذه المعركة، ما أدى إلى قراءة هذا الغياب من قبل البعض بشكل خاطئ، وتفلته عن الثوابت». لذا «كان من المفترض إصدار البيان أمس للقول إننا لن نعطي الحزب براءة ذمّة، ولتأكيد أن ما يقوم به مرفوض». وبحسب قولهم إن «بعض النواب الذين تحدثوا بغير لغة المستقبل، لا يعوّل على موقفهم، وكان لا بدّ من إعادة توجيههم عبر هذا البيان، خصوصاً أن الحزب وضعنا أمام فخّ إما أن نكون معه أو مع التنظيمات الإرهابية، ومنّا من سقط في هذا الفخّ».