IMLebanon

حقّ الوصول الى المعلومات

تنطلق الورشات التشريعية بعد حال الشلل الطويلة التي عانت منها البلاد، وحيث إنّ المجتمع يحتاج الى تطوّر تشريعي في قضايا حياتية واقتصادية عدة، تشكل الركيزة الأساسية لكلّ مجتمع متطوّر ومتغيّر.

من القوانين التي تقف على عتبة باب الانتظار، والذي تحوّل حلماً لكلّ إنسان يطمح في ايصال لبنان الى بيئة شفافة يكون فيها المواطن مراقِباً حقيقياً للأداء الحكومي ليس من خلال الإطلالات الاعلامية والبيانات الصحافية، بل من خلال متابعة دقيقة وعلمية لكلّ ما يحصل داخل كلّ وزارة وإدارة عامة أو مؤسسة خاصة تدير ملكاً عاماً، هو قانون حق الوصول الى المعلومات وهو حق تضمنه الاتفاقات الدولية، وإقراره يعكس النيّة الحقيقية لأيّ بلد في محاربة الفساد، وفي خلق بيئة شفافة.

قوانين الحق في الوصول الى المعلومات في البلاد العربية تحديداً مهندَسة لعدم كشف أيّ شيء حيث إنّ الاطلاع على المعلومة بحسب تلك القوانين يتطلب مراسلة الادارة المعنية وانتظار الجواب من الادارة، وبخبرتنا الطويلة مع البيروقراطية الادارية المستفحلة، يكون القانون بهذا الشكل لزوم ما يلزم.

وبالعودة الى الصيغة اللبنانية لهذا القانون، فقد تمّ تطويره بعد مطالبات مستمرة، بحيث تضمّن النشر الحكمي على شبكة الانترنت لكلّ ما يتعلّق بصرف المال العام تحديداً، وبالتفصيل، من حيث قيمة الصرف، والوجهة والمستفيد والسّند القانوني لهذا الصرف.

وهذا يحوّل القانون قانوناً ثورياً، يجعل الادارات والوزارات تحت مجهر المواطن مباشرة، وبعد إقراره، قد لا نصل الى نعيم الشفافية مباشرة، ولكن أقله سيظهر مَن مِن المسؤولين يتبنّى قوانين الشفافية ومَن يتجاهلها، فعندما استلمت حقيبة وزارة السياحة حاولت نشر حسابات الوزارة على الانترنت، وتمّ إبلاغي بأنّ هذا مخالف للقانون. فبعد القانون لن تكون هناك ذريعة لدى أحد.

وكطامح لإقرار القانون، واجبي أن أنبّه إلى بعض النقاط المتعلقة به قبل إقراره، في محاولة لحماية القانون نفسه من العقلية اللبنانية التي تنتج أحياناً قوانين ميتة، ممكن التلاعب بها، ربما بسبب قلة الوضوح او لعبة الاستثناءات التي يجيد اللبناني اللعب على اوتارها جيداً.

فالقانون لا يزال يحتاج الى التعديل في نقاط اساسية قبل إقراره، أولها أنّ المادة السابعة منه تستثني المؤسسات الخاصة التي تدير ملكاً عاماً من نشر حساباتها اسوة بالادارة العامة، وهو استثناء لزوم ما لا يلزم، خصوصاً أنّ المطلوب ليس نشر حسابات الشركة الخاصة، بل طريقة إدارتها للمال العام فقط، وإذا كان يُعوَّل على السجلات التجارية لهذه الشركات لمراقبتها، فحسابات السجلّ التجاري معروفة من حيث القدرة على إدخال بنود مثل متفرّقات غير واضحة ولا تبيّن هدف الصرف بعكس القانون الذي بموجبه يجب إدراج قيمة عملية الصرف، وكيفية الدفع، والغاية منه، والجهة المستفيدة والسند القانوني الذي جرى بموجبه الصرف مثلاً: (مناقصة، عقد بالتراضي، تنفيذ حكم قضائي).

النقطة الثانية، هي حصر معلومات الصرف الواجب نشرها بالعمليات التي بموجبها تُدفع أموال عمومية تزيد عن عشرة ملايين ليرة لبنانية، وهو تحديد غير واقعي حيث إنّ كلّ قرش يُصرف يجب توضيحه، وهذا التحديد يفتح الباب أمام مزاريب هدر متعدّدة، وستبدأ الفبركات والفتاوى بالظهور للالتزام بحدود العشرة ملايين ليرة، إذ إنّ المبدأ العام هو أنّ كلّ قرش يصرف من المال العام هو مقدَّس، فالسرقات الكبيرة لا تختلف عن السرقات الصغيرة.

النقطة الثالثة، هي استثناء نشر رواتب وأجور الموظفين، وهذا ايضاً غير منطقي حيث إنّ هذه الرواتب بمجملها معروفة وواضحة ولكن هناك إضافات تكون أحياناً باباً للهدر ويجب تبيانها بوضوح مثل ملحقات الرواتب الشهرية من عضوية اللجان، بدل سفر وتنقل، اوقات اضافية واكراميات Bonus، وتقديمات مدرسية وغيرها، وتجربة الادارة العامة تؤكد أنّ هناك العديد من المحظوظين الذين ترتفع رواتبهم لاسباب عدة، فيما يُظلم العديد، فالنشر في هذه الحال يؤمّن العدالة والشفافية للجميع بدءاً بالموظف نفسه.

هذه النقاط ليست هامشية وعابرة وتستطيع أن تؤثر في ممارسة القانون، فنحن لا نريد قوانين تضاف الى الأدراج يتآكلها الغبار، نحتاج الى قانون قابل للحياة، الى سلاح في يد المواطن وطالبي المعلومات، الى قانون خال من الثغرات والاستثناءات، فلا نريد أن يتحوّل هذا القانون الحلم كابوساً.

من جهة أخرى، ستشهد المرحلة المقبلة نقاشاً في عقد السوق الحرة في مطار بيروت والذي تحوّل فضيحة خلال السنوات الماضية، بدءاً من طريقة التلزيم الى حصة الدولة، الى انتهاء مدة العقد واستمرار العمل غير القانوني للشركة المشغلة.

ولا أريد هنا الغوض في تفاصيل الماضي، بل التعلّم منها للاستفادة المستقبلية وعدم الوقوع في الاخطاء ذاتها، والاستهتار بحق الدولة، وادراك القيمة الحقيقية للاسواق الحرة واستفادة الدول منها، وعدم النظر اليها كتنفيعة شخصية، وتقاسم حصص، ومكاسب سياسية.

فالأسواق الحرة حول العالم تُعتبر وسيلة حقيقية للتنمية والايرادات وتنمية المطارات، ففي اوروبا اليوم وبحسب تقرير المجلس العالمي للاسواق الحرة حول التأثير الاقتصادي للاسواق الحرة في اوروبا، فإنّ 40.4 في المئة من ارباح مطارات اوروبا تأتي من قطاع البيع في الاسواق

الحرة، حيث إنّ هذه الايرادات استعملت لتطوير البنى التحتية لقطاع الطيران عموماً في اوروبا، وتقديم خدمات جديدة للمسافرين (المصدر:

http://dfworldcouncil.com/wp-content/uploads/2016/03/DFWC-European-Economic-Impact-Report.pdf).

وتقوم إدارات المطارات في اوروبا على منح عقود لا تتخطّى الثماني سنوات، على ألّا يتخطى الربح الصافي للمستثمرين 5 في المئة. نعم 5 في المئة.

وأتوجّه الى المدير العام لإدارة المناقصات جان العلية لطرح مناقصة متطوّرة تراعي الاهمية الاقتصادية لهذا المرفق المهم، وأن يُصار الى إجراء مسح دقيق للمساحات المسلمة وإجراء مسح دقيق للمساحات الممكن استثمارها في مطار رفيق الحريري الدولي وتلزيم الاسواق لإحدى الشركات اللبنانية المعروفة بإدارة «مجمعات التسوّق» حسب دفتر شروط واضح والاطلاع على كلفة الايجار من الباطن الذي تقوم به الشركة، كما تلزيم الاسواق على اسس نسبة من المبيعات في السوق الحرة، عطفاً على ما ذكرناه آنفاً، من الممكن أن تصل هذه النسبة الى أكثر من 35 في المئة من مجمل المبيعات خصوصاً أنّ الارباح الاجمالية غير الصافية هي أكثر من 100 في المئة، لذلك إذا دفع المستثمر 35 أو 40 في المئة للدولة حتماً هناك مجال لتسجيل أكثر من 5 في المئة أرباحاً صافية، واخيراً لا بدّ من التأكيد أنّ هذه العمليات التجارية يجب ان تُعفى من TVA فقط وليس من ضريبة الدخل والبلدية وغيرها.