IMLebanon

خطر ميليشيات إيران على استقرار المنطقة

 

في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن بدء أفول نظام الأسد واقتراب زواله، أو على الأقل سقوطه في العاصمة وغالبية الأماكن الإستراتيجية وانحسار سيطرته ضمن مساحات صغيرة، يبرز على السطح من جديد الدور الذي يمكن أن تلعبه ميليشيات إيران في المنطقة وطبيعة الحرب التي ستتابعها تلك الميليشيات، وخاصة بعد إعلان واحدة من أكبرها «حزب الله» التوجه الى النفير العام، وهو ما بدا انعكاساً لتقديرات إيران وأذرعها المقاتلة بقرب حصول تغيرات دراماتيكية خطيرة في المنطقة.

وقد كان لافتاً في هذا التوقيت، قول الجنرال ديفيد بترايوس، الذي قاد القوات الأميركية في العراق بين عامي 2007 و2008، أن «الميليشيات الشيعية –وكثير منها تدعمها إيران– تشكل التهديد الأبرز للاستقرار على المدى الطويل، وعلى التوازن الإقليمي الأوسع»، هذا التصريح هو تقدير وتحسُّب لمخاطر قادمة أكثر من كونه تحليلاً سياسياً، وينطوي هذا التقدير على تغيرات متوقعة في ديناميكية الصراع وطبيعته تتفق بدرجة كبيرة مع المسارات التي بدأت تتشكل وفي قلبها سقوط نظام الأسد وانكفاؤه.

لكن لماذا هذه التنظيمات بالفعل خطيرة؟ وما مدى صحة هذا التقدير في التطبيقات العملانية؟ تشغّل إيران في العراق وحده حوالى 42 فصيلاً مسلحاً تنضوي جميعها تحت ما يسمى «الحشد الشعبي» ويتجاوز تعداد عناصرها مئة ألف مقاتل مع قابلية مضاعفة هذا العدد بالنظر الى طبيعة آليات التطويع المرنة المتبعة ومناخ الفرز الطائفي الذي تعمل في ظله هذه الميليشيات وحالة نهوض الهويات الدينية الصاعدة بقوة، وفي سورية لا يمكن تقدير حجم تلك الميليشيات نظراً إلى حالة التداخل بينها وبين الهياكل الرسمية من جهة وتوزعها على طيف واسع من مشهد الأزمة عبر اتخاذها عناوين متعددة، يبدأ بعضها من اللجان الشعبية في بعض الأحياء وصولاً إلى ما يسمى «قوات الدفاع الوطني» المكوّن البديل للجيش السوري، ولعلّ مخاطر هذه الميليشيات تأتي بالدرجة الأولى من ظروف تشكّلها وطبيعة تكوينها ووظيفتها، فهي:

– ميليشيات تشكّلت لأسباب تقنية، بحيث جرى تصميمها من أجل السيطرة على مكونات وطنية أخرى بهدف إخضاعها ونهب ثرواتها، وهي أقرب إلى منطق المرتزقة وتشكيلاتها، ولم تظهر لأسباب ثورية، وبالتالي يمكن أن تزول عند انقضاء المبررات، ولعل هذه أخطر صفاتها، بما يجعل عمليات تفكيكها أمراً معقداً جداً، لسهولة تحولها إلى أنماط من التنظيمات المافياوية التي لا يمكن حتى الدولة التي أنشأتها التحكُّم بها ولو قطعت عنها مصادر التمويل، وقد أثبتت التجارب العملانية أن هذه التنظيمات تستطيع التكيف مع اقتصاد الحرب وتأمين مصادر تمويلية بديلة.

– أنها ميليشيات تأسست بوعي طائفي وهدفها تغيير الأوضاع في المنطقة وتأسيس دولة على مساحة إقليمية واسعة على أساس طائفي (تصريحات قادتها بأنهم سيحكمون 400 سنة قادمة)، كما أنها محكومة بأيديولوجية دينية تجعل سلوكها بعيداً من العقلانية ولا يمكن إخضاعه للمنطق السياسي تحت أي ظرف، وستجد هذه التنظيمات من يغذي سرديتها على الدوام من رجال دين على الشاكلة ذاتها، ذلك أن عملية التحريض المكثف في الفترة الماضية أنتجت محفزات تكفي لتغذية الصراع لعقود قادمة وتضمن بقاء اشتغال دينامياته.

– مكمن خطورة هذه الميليشيا وجود دولة مركزية داعمة لها، بحيث تحولت الى مجرد أذرع عسكرية لإيران التي تسعى الى تحقيق مكاسب إستراتيجية على حساب الجوار العربي، وثمة تقديرات بأن لا تعدل إيران من نمط سياستها هذه تجاه العالم العربي حتى بعد تفاهمها مع الغرب حول ملفها النووي، على اعتبار أن هذه الأداة رخيصة وغير مكلفة إذا قورنت بتكاليف الحروب المباشرة التي ستخوضها لتحقيق النفوذ، ولأن إيران من جهة ثانية ستبقى محكومة بهذا الفكر السياسي التوسعي والمعادي للعرب الى أمد طويل، ومن المستبعد أن تنتج نخب صناعة القرار توجهات جديدة تجاه المنطقة في وقت قريب.

– سيطرة هذه الميليشيات على دولة مركزية بحجم العراق وإمكان تسخير مواردها النفطية الكبيرة للتحشيد، وواضح أن هذه الميليشيات ستمنع ظهور تيارات سياسية عقلانية أو عربية التوجه الى أمد غير منظور، والواضح كذلك أن المؤسسات في العراق، من البرلمان إلى الجيش، تتشكل من مكونات قريبة من هذا الفكر، وعلى مدار سنوات قريبة لن ترتفع أصوات مخالفة لها طالما أن هناك عملية اجتثاث ممنهج لكل القوى والشخصيات السياسية العربية والليبرالية والرافضة سيطرة إيران على القرار السياسي العراقي. ببساطة، فإن السياسة في العراق بأحسن الأحوال لن تكون سوى واجهة مفرغة من الفعالية والتأثير بعد أن حولت إيران العراق بقايا دولة لكي توظفه في مشروعها الإستراتيجي وهو في وضع سيجعل طلبه الانخراط في ظل الحماية الإيرانية أمراً مشروعاً محلياً ومرغوباً دولياً.

– هذه التكوينات سوف تستدعي على الدوام حصول تشكيلات مقابلة لها، ما يعني استمرار حالة الاستقطاب الديني، وهذه الوضعية ستشكل مقدمة لانقسام حقيقي وواقعي لشرق أوسط شيعي يقابله شرق أوسط سنّي تدوم الحرب بينهما عقوداً طويلة، في ظل حالة تضعضع الدولة المركزية في المشرق وتحولها هياكل رخوة ومهمشة.

ميليشيات إيران هي الخطر القادم بالفعل على المنطقة، وخاصة أنه جرى دمجها ضمن الأطر الرسمية لدول المنطقة، كما هو الحال في العراق ولبنان واليمن، وهناك محاولات لجعلها جزءاً من الحل في سورية، وتسويغ وجودها بشكل قانوني ودستوري بما يجعل منها آلية إيرانية لتحفيز الحروب في المنطقة، أو في أضعف الإيمان وسيلة لتعطيل الحياة السياسية كما هو حاصل في لبنان اليوم.