IMLebanon

خطر إفلاس المؤسسات على الأبواب

باشر مصرفان لبنانيان ومصرفان عالميان الترويج لاصدار سندات دين «يوروبوندز»، لمصلحة الدولة اللبنانية، مُمثلة بوزارة المالية، بقيمة 2,2 مليار دولار. وتبدو نتائج الاصدار محكومة بالنجاح، ما دامت المصارف اللبنانية حسمت أمرها وقررت الاكتتاب، لكن المشكلة تكمن في مكان آخر أشار اليه حاكم مصرف لبنان رياض سلامه.

حاولت المصارف اللبنانية في أكثر من مناسبة أن تمارس ضغوطات على السلطة السياسية من اجل حثها على تخفيف منسوب الفساد، وخفض الهدر، لفرملة نمو الدين العام، وتخفيف المخاطر عن المصارف والبلاد التي تمضي نحو أمكنة خطيرة على المستوى المالي. لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، وفي كل مرة كانت تضطر المصارف الى مواصلة إقراض الدولة لان الطرفين في مركب واحد، ولا إنقاذ لفريق دون الآخر.

هذه المرة يزداد منسوب الخطر المحدق بالوضع المالي للدولة، والمصارف جاهزة لانجاح الاصدار والاكتتاب بأسعار فوائد تعتبر متدنية قياسا بالوضع الائتماني للبلد. وهذا الأمر صار شبه مؤكد من خلال ما أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، عندما أكد أن «السيولة متوافرة في السوق لتغطيته (الاصدار)، كما هناك اهتمام من الخارج به».

كذلك لن يكون هناك رفع للفوائد على هذا الاصدار سوى بنسبة متدنية جدا، بدليل ان سلامه اشار الى موضوع تغيير النظرة المستقبلية للبنان من قبل وكالات التصنيف العالمية من «مستقر» الى «سلبي»، لم يكن له «أي آثار، فبقيت الفوائد مستقرة، والسوق تلبي الطلب على السندات الاسبوعية من دون تدخل مصرف لبنان».

وفي هذا الكلام اشارة واضحة الى ان الفوائد ستبقى مستقرة حالياز لكن، والى الأرقام المُطمئنة التي قدمها حاكم مصرف لبنان، سواء لجهة نمو الودائع المصرفية، أو الارباح او موجودات مصرف لبنان من العملات الصعبة، الا انه اشار الى مكامن الخطر التي تحتاج الى معالجة، والتي لا يبدو ان هناك نية لمعالجتها، وهي:

اولا – خفض نسبة العجز في الموازنة لفرملة نمو الدين العام الذي بلغ 140 في المئة من حجم الناتج المحلي. هذه النسبة مرشحة للارتفاع الدائم في السنوات المقبلة اذا لم يتم تصحيح المسار العام.

ثانيا – تحصين البلد من امكان خفض تصنيفه الائتماني عبر «مبادرات سياسية لإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية».

ثالثا – تحريك الاقتصاد الذي سيسجل هذا العام صفرا في المئة، وهو بالتالي يلامس الانكماش السلبي في المرحلة المقبلة.

رابعا – ارتفاع كلفة الحرب السورية وتداعياتها على الاقتصاد اللبناني وقد بلغت كلفتها بين 10 و11 مليار دولار.

كل هذه الملفات الحساسة انعكست في مكان آخر، حيث تبين من خلال كلام حاكم مصرف لبنان مدى «الضيقة» التي تواجه المؤسسات في البلد، والتي اضطرت مصرف لبنان الى التدخّل عبر تعميم وصفه سلامه بأنه «احترازي يتيح مرونة أكبر للتعامل مع المدينين، إذ يسمح بتسنيد الديون وإمكان حسمها لدى مصرف لبنان، ويسمح بإعادة تنظيمها وتغطيتها بعقارات ومساهمات». وبرّر الحاكم صدور هذا التعميم بأن «الهدف هو المحافظة على المؤسسات والأفراد الذين قد يكونون يواجهون ظروفاً صعبة آنية، لكنهم قادرون على تلبيتها حين تتحسّن الظروف».

لا يحتاج هذا الموقف الى تفسير اضافي، فهو واضح ويؤكد ان خطر الافلاس يقترب من المؤسسات، وان مصرف لبنان مضطر الى التدخّل لحماية القطاع الخاص قدر المستطاع لئلا تبدأ كرة ثلج الافلاسات بالتدحرج، بحيث تشكّل خطرا على كل الدورة الاقتصادية. لكن امكانات الحماية محدودة ما دامت القطاعات الاقتصادية شبه جامدة، والمؤشرات الى تراجع مقابل نمو الدين العام الذي قد ترتفع كلفة خدمته السنوية الى اربعة مليارات ونصف المليار دولار سنويا.

هناك إجماع على أن تحسين الوضع يحتاج أحيانا الى مجرد خطوات بسيطة يمكن أن تُحدث الفرق بانتظار المعالجات الاكبر، لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود، في دولة دفعت منذ العام 1995 أكثر من 25 مليار دولار على قطاع كهربائي يحتاج الى مليار و200 مليون دولار فقط لكي يتأمّن التيار 24 ساعة، وحتى الان لم تنجح في هذا الانجاز!