IMLebanon

قمّة الرياض والخارطة اللبنانية

القمّم التاريخية الثلاث التي أحتضنتها المملكة العربية السعودية جاءت بمثابة إعلان انتهاء العصر الإيراني الأميركي في الشرق الأوسط. هذا العصر الذي ابتدأ في 11 أيلول 2001، وأدخل معه العلاقات الأميركية العربية والإسلامية في مسار حرج عبّر عنه احتلال أفغانستان وتدمير العراق وتمدّد النفوذ الإيراني الى البحر المتوسط والبحر الأحمر، إلى جانب تصاعد الراديكاليات الإسلامية، التي بدأت بالثورة الإيرانية وبلغت ذروتها مع إعلان خلافة داعش في سوريا والعراق.

أقصى الرئيس ترامب نفسه عن سياسة التقارب التي انتهجتها إدارة أوباما تجاه إيران والتي اعتمدت على بناء توازن قوى بين الدول الإقليمية بهدف تقليص الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وأفضت إلى مزيد من الحروب في العراق وسوريا واليمن وإلى توترات متصاعدة على امتداد العالم العربي. أسقطت القمّم الثلاث الحساسيات والدونيات لدى المستعمرين السابقين وأرست شراكة إستراتيجية قوامها نقل المعرفة على أنقاض نظرية صراع الحضارات، كما أسّست لشراكة بين الولايات المتّحدة والسعودية وفق نظرية جديدة، الإقتصاد والأمن مقابل الإقتصاد والأمن بدلاً من النفط مقابل الأمن.

البيان الختامي لقمّة الرياض الذي رفض ممارسات النظام الإيراني المزعزعة للأمن والإستقرار يعبّر عنه عنوان واحد، قطع طريق طهران ــــــ بغداد ـــــ دمشق ــــ بيروت بكافة الوسائل السياسية والميدانية والمالية. ويأتي البيان في سياق جملة من المتغيّرات الإقليمية السياسية والميدانية. لقد تزامنت القمّة مع فوز مريح للرئيس الإيراني حسن روحاني في الإنتخابات الإيرانية بمواجهة المرشح المتشدّد ابراهيم رئيسي، مما يعبّر عن اعتراض شعبي على المرشد والحرس الثوري ودولتهما العميقة.

على الجانب العراقي، دعا السيد مقتدى الصدر عشية فوز الرئيس روحاني الحكومة الإيرانية «بضرورة الإنفتاح على دول المنطقة وترك المهاترات السياسية التي جرّت عليهم وعلى المنطقة الويل والثبور»، كما كشفت مصادر عسكرية مسؤولة أنّ رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي أبعدَ «أبوضرغام المطوري» قائد الفرقة السادسة في الشرطة الإتّحادية والمقرّب من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سُليماني عن منصبه، وأشارت المصادر إلى أنّ العبادي استبق العملية العسكرية التي ستنطلق لاستعادة آخر معاقل تنظيم داعش في الموصل القديمة بهذا القرار.

في الميدان السوري، أكّدت الضربة الجوية التي قامت بها طائرات التحالف الدولي على وحدات سورية وإيرانية حاولت التقدّم يوم الخميس الفائت نحو قاعدة التنف على مثلث الحدود الأردنية- العراقية – السورية، حيث تتمركز قوات أميركية وبريطانية وفصائل معارضة، الإصرار الأميركي على السيطرة على طريق دمشق – بغداد السريع والذي يعتبر طريق الإمداد الرئيسي لقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية. هذه القوات عازمة على التقدّم نحو البوكمال لإقفال طريق دير الزور نحو الداخل العراقي.

القيادات الخليجية وفي مقدّمتها قيادة المملكة اتّخذت القرار بالرهان على الرئيس الأميركي وقدرته على النجاح في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، والقيادة الأميركية الجديدة مقتنعة بأنّ سياسات التحريض المذهبي والتدخل العسكري والهيمنة المباشرة هي التي أدّت الى مزيد من انتشار الأصوليات وتمدّد الإرهاب. النشاط الأميركي الراهن الذي كانت الرياض نقطة انطلاقته وشهدته أكثر من خمسة وخمسين دولة إسلامية وعبّر عنه البيان الختامي، لا بدّ أن يشكّل رسالة بالغة الجدية للقيادة الإيرانية التي استباحت عنوةً الساحات والعواصم العربية.

موقف حزب الله من بيان الرياض لا يستطيع أن يخرج عن دائرة القرار الإيراني الذي سيتراوح بين حدّي المغامرة واستيعاب الواقع الجديد في ظلّ التهديد الذي تتعرض له طريق بغداد دمشق!!! كيف سيتعايش لبنان مع الأرض المتحركة من حوله؟ ما هي ردود فعل رئاسة الجمهورية؟ وماذا كان ينتظر وزير خارجية لبنان من بيان الرياض بعد أن استمع إلى كلّ المداخلات التي أدانت السياسة الإيرانية، وماذا تعني مسارعته للتنصّل منه، مقابل تمسك رئيس الحكومة به، سوى الخوف على مستقبل سياسي موعود وعلى تحالفات داخلية بُنيّت على مصالح ظرفية قصيرة النظر والمدى؟

إن المسألة لا تستلزم سوى النظر الى خارطة لبنان لادراك ما تعنيه الحقائق التي تفرضها الجغرافيا والمتغيّرات التي تمليها المصالح الدوليّة!!!!