IMLebanon

خريطة الطريق لإستخراج الغاز والنفط رغم التعقيدات القائمة

تعهّدت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري بتسريع إصدار مراسيم وقوانين مُتعلّقة بملف النفط. وإذا كانت هذه الخطوة أساسية في مصير ملف بأهمية ملف النفط، إلّا أنها تبقى ناقصة في غياب عدد من الإجراءات التي من الواجب أن تحترم خريطة طريق مُحدّدة.

من البديهي القول إنّ تأخّر إقرار مراسيم النفط هو نتيجة الخلاف السياسي القائم. وهذا الخلاف ما هو إلّا نتاج إختلاف الرؤية بين مُختلف الأطراف اللبنانية على هذا الملف وكيفية الإستفادة منه.

في الواقع تصاريح المسؤولين تُجمِع على أنّ المداخيل النفطية ستُساعد لبنان على حلّ مشاكله المالية وخصوصاً مُشكلة الدين العام الذي فقدت الدولة السيطرة عليه منذ فترة طويلة. هذه النظرة هي نظرة ضيّقة جدّاً وتترك هامشاً كبيراً لكيفية الإستفادة من هذه المداخيل وبالتالي تفتح المجال أمام نشوب خلافات على توزيعها!

قبل الدخول في فلسفة الإستفادة من المداخيل النفطية، يتوجّب علينا معرفة أنّ الثروة النفطية اللبنانية هي بشكل رئيسي ثروة غازية. وتُقدّر هذه الثروة بـ ٢٠٥ مليارات دولار أميركي مع إحتمال ٩٥٪ و٩٣٠ مليار دولار أميركي مع إحتمال ٥٪. وهذه الأرقام هي صافي مدخول الدولة اللبنانية على أساس أسعار النفط والغاز الحالية وآخذة في الإعتبار الكلفة (البنية التحتية النفطية + حصة الشركات).

وهذه الأرقام الهائلة تُشكّل بحدّ ذاتها دافعاً أساسيّاً للمسؤولين السياسيين لتسريع عملية إستخراج النفط والغاز. لكنّ هذه العملية تحتاج قبل كلّ شيء إلى رؤية موحَّدة لكلّ الأطراف السياسية اللبنانية: ماذا سنفعل بالمداخيل النفطية؟ وكيف سيتمّ إنفاقُها أو توزيعُها؟

المُشكلة أنّ هذه الثروة خاضعةٌ لمبدأ النضوب وبالتالي فإنّ كلّ دولار مُستخرَج هو دولار بالناقص من هذه الثروة. لذا فإنّ فكرة تسديد الدين العام من هذه الثروة هو بمثابة خسارة حتمية وأكيدة لهذه الثروة. بحكم أنّ نصفها سيذهب لسداد الدين العام وهذا أمر غير مقبول في ظلّ الحوكمة الرشيدة وفي ظلّ القوانين الإقتصادية.

النفط للإنماء

إنّ إستخراج النفط يحتاج إلى خطة نهوض إقتصادي وإجتماعي تواكب عصر النفط. هذه الدراسة تفرض معرفة القطاعات التي تتأثر بالقطاع النفطي إن من جهة تقديم الخدمات لهذا القطاع أو إستهلاك النفط. وعلى هذا الأساس يتمّ وضعُ إستراتيجية للنهوض بهذه القطاعات وعلى رأسها الصناعة وتطوير اليد العاملة فيها وبالتالي جعل هذه القطاعات ذات تنافسية عالمية.

هذا الأمر يمرّ إلزامياً بجذب الإستثمارات التي بوجود قوانين شفّافة لن تتأخر بالظهور خصوصاً أنها لا تطال فقط القطاع النفطي بل قطاعات إنتاجية لها إستدامة طويلة الأمد وتهمّ الصناديق الإستثمارية السيادية.

هذا الواقع يجب مواكبته بدعم الأبحاث في التكنولوجيا وخصوصاً الشق التطبيقي منها إن في القطاع الصناعي، النفطي أو التكنولوجي. وهذا الأمر يفرض بالطبع قوانين تجعل من الجامعات مراكز أبحاث يتمّ تمويلها من قبل الشركات الخاصة مع تحفيزات ضريبية مُهمّة أقلّه في السنوات العشر الأولى، أو الإحتمال الثاني أن تُموّلها الدولة وتُغطّي هذه التكاليف من عائدات الضرائب على الشركات.

هذا الواقع يدفع بالإقتصاد اللبناني إلى مُستويات عالية تسمح بخلق فرص عمل هائلة وبالتالي تؤمّن للمواطن اللبناني مدخولاً يُمكّنه من سدّ حاجاته المنصوص عليها في هرم أبراهام ماسلو والتي تُشكّل أساس الإنماء في المجتمعات البشرية.

وإذا ما تمّ دعم الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم من خلال إستراتيجية واضحة، فإنّ الفقر في لبنان سيتمّ محوه في أقل من عشر سنوات بحكم أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم هي الأداة الأساسية لمحاربة الفقر كما يؤكدّه البنك الدولي.

كلّ هذا دون أن يكون هناك أيّ قرش واحد مُستهلَك من الثروة النفطية التي يجب أن تذهب مداخيلها إلى الصندوق السيادي والذي يجب أن تُستخدم عائداته في تمويل مشاريع إستثمارية في الماكنية الإقتصادية التي بدورها ستقوم بسدّ الدين العام. هذه الطريقة هي الطريقة الصحيحة لجعل النفط في خدمة الإنماء.

إدارة الملف النفطي

خبرة النروج في مجال إستخراج النفط هي خبرة لا يُعلى عليها نتيجة إستخدامها مداخيل النفط للإنماء. وبناءً على رأي الخبراء بأنّ مُشاركة الدولة في التنقيب عن النفط هو أمر خطر على النروج وعلى الثروة النفطية، إتّخذت الحكومة قراراً في العام ١٩٧١ ينصّ على إدخال نظام إداري جديد لإدارة القطاع النفطي تفصل بين وضع السياسات النفطية، الرقابة التقنية وإدارة الموارد، والمُساهمة التجارية.

وأسندت مُهمة وضع السياسات إلى وزارة النفط والطاقة مع موافقة مجلس النواب. أما مهمة الرقابة التقنية وإدارة الموارد فأسندتها إلى مديرية النفط في حين أنّ الشقّ التجاري تمّ إسنادُه إلى شركة Statoil.

وبالتالي ضمنت النروج أنّ إدارة القطاع النفطي تخضع لمبادئ الحوكمة الرشيدة ما يعني محو الفساد من هذا القطاع.

مُشكلة التصدير

يُشكّل السوق الأوروبي سوقاً طبيعياً للغاز اللبناني وبالتالي فإنّ السؤال الأوّل المطروح: كيف سيُصدّر لبنان غازه إلى أوروبا؟ الجواب على هذا السؤال يستدعي طرح الوضع الإسرائيلي حيث إنّ إسرائيل التي تسبق لبنان بأشواط قامت بفتح مفاوضات ثنائية مع تركيا بهدف إنشاء أنبوب بحري يوصل غازها إلى تركيا ومن بعدها إلى أوروبا.

وهذا الأنبوب له تكلفة أقلّ من خيار تسييل الغاز وبالتالي فإنّ لبنان يواجه مُشكلة التنافسية مع الغاز الإسرائيلي مع إستحالة حصول لبنان على أنبوب خاص به نظراً إلى الكلفة الكبيرة لإمداد الأنبوب البحري.

إذاً كيف يُمكن للبنان تصدير غازه في ظلّ هذه الظروف؟ هذه إحدى العقبات الرئيسة التي تواجه ملف النفط.

مُشكلة الحدود البحريّة

تأتي مُشكلة الحدود البحرية لتفرض نفسها في الملف النفطي، فالخلاف مع العدوّ الإسرائيلي يزرع الخوف لدى الشركات النفطية العالمية التي تخشى قصف إسرائيل للمنشأات النفطية وبالتالي حتى في حال إقرار المراسيم يبقى الشق المُتعلّق بالضمانات غير موجود ويفرض تفعيل ديبلوماسية فعّالة بهدف حلحلة هذا الموضوع الشائك والذي يخفي نوايا بتطبيع العلاقات!

أيضاً تظهر إلى العلن مُشكلة الحدود البحرية الشمالية مع سوريا حيث ترفض الدولة اللبنانية التحاور مع النظام السوري، ومن المُرجّح أن تتصاعد مفاعيلها خصوصاً إذا ما أقرّت الحكومة اللبنانية الحدود من جهة واحدة كما فعلت الحكومة السورية.

خطة طريق

بالنظر إلى المُعطيات، نرى أنّ الدولة اللبنانية لا تملك خطّة إقتصادية وبالتالي فإنّ إستخراج النفط بغياب هذه الخطة سيؤدّي إلى إصابة لبنان بالمرض الهولندي أي أنّ الصادرات النفطية سترتفع ومعها الليرة اللبنانية ما يضرب الصادرات الصناعية والخدماتية، من هنا إلزامية وضع هذه الخطة قبل البدء بالتنقيب عن النفط.

وبالتالي من المفروض على الحكومة اللبنانية أن تعمد إلى إتخاذ الخطوات التالية: (١) وضع خطة إقتصادية للنهوض بالإقتصاد اللبناني بما فيها دعم القطاعات الإنتاجية، دعم الأبحاث، تحفيز الإستثمارات، تحديث البنى التحتية والفوقية؛ (٢) إقرار قانون لخلق الصندوق السيادي؛ (٣) إقرار مراسيم النفط العالقة في أدراج مجلس الوزراء؛ (٤) خلق شركة نفطية وتوزيع مهام إدارة القطاع النفطي؛ و(٥) إقرار قانون لمكافحة الفساد.

في الختام لا يسعنا القول إلّا أنّ ملف النفط يُشكّل إمتحاناً جدّياً لمصداقية الحكومة وبالتالي يجب إنتظار الخطوات التي ستتّخذها الحكومة للحكم على هذه المصداقية.