IMLebanon

هدير الكرامة… وبعد؟

ليس من الغرابة ان يفجر يوم ٢٩ آب جدلاً لبنانياً واسعاً حول توصيفه يوازي الحجم الكبير للحشد الشبابي والشعبي الذي نزل الى ساحة الشهداء مؤذناً باقتحام جيل هذه الانتفاضة السياسة من بابها العريض. نقول السياسة في شكل مقصود لأن هذه الانتفاضة يستحيل ان تقيم البدائل من الأجيال الثائرة عليها الا من البوابات الديموقراطية الطبيعية التي تقود الى التغيير السلمي الحلال النظيف لئلا تذهب في مسالك أخرى تستحضر اهوال المحيط الاقليمي المشتعل الى لبنان. تبعاً لذلك ترانا أقرب الى التوصيف القائل بأن ثمة انتفاضة اجتماعية اكثر من صادقة اليوم في لبنان حظيت بعمادتها الشعبية الثقيلة من عشرات الألوف، ولا شيء يمكنه ان يشوه هذه الحقيقة امام المد الشعبي الكبير وصوته الهادر الذي رسم السبت الماضي صورة حضارية للبنان امام العالم ينبغي حمايتها كأولوية موازية لاختبار التغيير الذي تقوده الهيئات المدنية والشبابية.

نتخيل العالم الخارجي ينظر بحيرة شديدة الى لبنان في ظل هذه اليقظة للمجتمع المدني . ثمة جانب سيثير اعجابه الشديد في مشهد الحشود التي تجمع الشباب والنساء والعائلات وتلاوين مجتمع ومناطق وفئات وطبقات ذابت فجأة كل انقساماتها الطائفية الحادة وسقطت تحت وطأة الغضب المعتمل والمزمن من انتهاك الانسان اللبناني وقصور طبقاته السياسية المتعاقبة منذ عقود عن اقامة أولوية المواطن فوق كل اعتبار فكانت الانتفاضة على الفساد العنوان المجلجل الهادر في ساحات بيروت جارفاً كل شيء آخر. مشهدية تعبيرية نظيفة بهذا المنحى لا شك في انها تقيم وسط ظروف المنطقة الهادرة بالزلازل صورة مغايرة للبنان من شأنها ان تنتصر لكرامة مواطنه التي امتهنت الى حدود طمرها في النفايات. فليس حدثاً عابراً او عادياً ان ترتفع صورة الحشود ومشهدية التعبير بهذا الشكل فيما الشرق الاوسط يتهاوى تحت شلالات الدماء وخرائط المجازر الطائفية والمذهبية والانسانية.

ومع ذلك لا يكفي التغني بالانفجار الحلال المشروع والطبيعي للانفعالات الثائرة والغاضبة وحتى لرومانسية الحنين الى الثورات والانتفاضات ولو بعناوين اجتماعية اولاً لإغماض الأعين عن الأفخاخ الخطيرة التي تحاصر الانتفاضة الطالعة التي استقطبت الناس مع حشود الشعارات التي كادت تفوق اعداد المتظاهرين. حمل كل لبناني متظاهر معه شعاره الخاص والفردي ولو ظلل الجميع العلم اللبناني وحده مع التعبير الغاضب. بدا الأمر جميلاً جداً ولكن ذلك لا يقيم بعد برنامج انتفاضة الناس المتماسكة وصولاً الى التغيير السلمي المتدرج حتى مع العناوين المحددة التي انتهت اليها التظاهرة. فلنسلم بأن صراع ٨ و١٤ آذار او تفاهماتهما في السلطة عبر عقد سحقت البعد الاجتماعي وأدت بالبلاد الى هذا المنقلب الأسوأ في تاريخه. فماذا لو اجريت الانتخابات النيابية غداً، كاستجابة لصوت انتفاضة المقهورين والقانطين والمنتفضين؟ من هنا بداية الموجات التالية.