IMLebanon

قصّة ملك… ورئيس لنظام

كان من اطرف ما حفلت به الايام القليلة الماضية الحملة التي شنّها بشّار الأسد على الأردن عبر وسيلة إعلامية روسية. الأردن «ليس دولة» بالنسبة الى رئيس النظام السوري، بل يفعل ما يطلبه الاميركيون منه.

المملكة الأردنية الهاشمية ليست دولة، من وجهة نظر الأسد الابن. كان على المملكة من اجل ان تستأهل لقب دولة تطهير الاردن من سكانه من منطلق مذهبي. ذلك هو الشرط الاوّل، المفروض توافره في ما يبدو، ليستحق أي بلد لقب دولة.

فات بشّار الاسد قبل كلّ شيء ان الأردن ليس في وارد أي عملية تبادل للسكّان بين مناطقه من منطلقات مذهبية او طائفية او عرقية من جهة، وانّه يتحمّل عبء ما يزيد على مليون ونصف مليون مواطن سوري هجّرهم النظام من ارضهم ولجأوا اليه من جهة اخرى.

معروف ان الأردن نظام ملكي. خلف الملك عبدالله الثاني والده الملك حسين، في العام 1999. لم تكن من حاجة الى أي تعديل للدستور او استنفارات عسكرية او مؤامرات من ايّ نوع. هناك مؤسسات حقيقية في المملكة الأردنية الهاشمية أدت دورها، بعدما قرّر الملك حسين ان يكون نجله الأكبر خليفة له وليس شقيقه الأمير حسن، الذي بقي وليّا للعهد سنوات طويلة لاسباب ارتبطت في البداية بصغر سنّ عبدالله بن الحسين ومحاولات الاغتيال العديدة التي استهدفت العاهل الأردني الراحل. بين تلك المحاولات كان تفجير مقر رئاسة الوزراء في العام 1960. قتل وقتذاك رئيس الوزراء هزّاع المجالي مع عدد كبير من رجالات الدولة الأردنية. كان الهدف التخلّص من الملك الذي لم يحضر الى رئاسة الوزراء كما كان مفترضا. ظهر لاحقا ان الاجهزة السورية، على رأسها عبد الحميد السرّاج، كانت وراء تلك الجريمة وان الهدف كان ضرب الاستقرار في الأردن. كان ضرب الاستقرار الأردني هدفا دائما للنظام السوري، خصوصا بعد استيلاء البعث على السلطة في آذار 1963 تمهيدا لقيام نظام اقلّوي على رأسه حافظ الأسد ابتداء من العام 1970. سارت الامور بطريقة سهلة في الأردن. استأنف عبدالله الثاني السير على خطى والده واهتمّ قبل أي ّشيء آخر بشؤون الأردن وشؤون مواطنيه.

في منتصف العام 2000، خلف بشّار الأسد والده الذي غيّر اسم سوريا من «الجمهورية العربية السورية» الى «سوريا الأسد». انتشرت تماثيل الأسد في كلّ مكان من اجل بث الرعب في كلّ سوريا، في حين رفض الملك حسين دائما ان يكون له ولو تمثال واحد في عمّان. عندما ظهر التمثال الذي أوصت عليه امانة عمّان وأرادت مفاجأة الملك به، لعلّ ذلك يسرّه، امر الحسين بالاحتفاظ به في احد القصور الملكية رافضا ان يكون في احدى ساحات العاصمة.

في بداية عهده ومع نجاح العملية القيصرية التي مكّنته من خلافة والده، بعد تعديل الدستور كي يتلاءم مع عمره، كانت لبشّار الأسد علاقة جيدة مع عبدالله الثاني. كانت هناك حتّى زيارات متبادلة ذات طابع عائلي.

لكنّ العاهل الأردني الجديد، وقتذاك، اكتشف باكرا عمق العلاقة التي ربطت بشّار الأسد بايران ومدى نفوذ «حزب الله» في سوريا. اكتشف في احدى المناسبات مدى التغلغل الايراني في سوريا على كلّ المستويات. وضع بشّار كلّ الأسس التي أدّت الى وجود إيراني دائم في سوريا. كان هذا الوجود في كلّ وقت منطلقا لعمليات تخريب تستهدف الأردن وامنه. لم يدرك بشّار مخاطر مثل هذه اللعبة التي أوصلت سوريا الى ما وصلت اليه اليوم.

عندما يستخدم رئيس النظام السوري كلاما بذيئا في الحديث عن دولة جارة كان يفترض ان تكون نموذجا يحتذي به منذ اليوم الاوّل الذي خلف به والده، وربّما قبل ذلك، عندما كان رئيسا فعليا لسوريا ابتداء من العام 1998، يجدر به قبل كلّ شيء اجراء مقارنة بسيطة. الأردن دولة مستقلّة بكلّ معنى الكلمة. هناك دستور عصري وهناك انتخابات تجري في مواعيدها وهناك محاولة جدّية للنهوض بالاقتصاد والتعليم. الأردن على علاقات طيبة باهل الخليج وبالولايات المتحدة وروسيا وأوروبا. يمكن سؤال الرئيس فلاديمير بوتين عن رأيه بعبدالله الثاني وطبيعة العلاقة معه وعن رأيه الآخر ببشار الأسد وكيف عليه التعامل معه. فوق ذلك كلّه، أمن الاردن من أمن الخليج وأمن الخليج من أمن الاردن. ظهر ذلك واضحا خلال الزيارة التي قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز للمملكة عشية انعقاد القمّة العربية على شاطئ البحر الميّت.

لا حاجة الى الدخول في لعبة الأرقام واجراء مقارنات بين دخل الفرد الأردني والفرد السوري. هل يجوز ان يكون دخل الفرد في الأردن الذي لا يمتلك أي موارد أعلى من دخل الفرد السوري، علما ان سوريا تمتلك ثروات كبيرة، بما في ذلك النفط والغاز والزراعة والمياه؟

فات أوان المقارنات. ما لم يفت بعد هو أوان التخلّص من العقد، كلّ أنواع العقد السورية تجاه الأردن. الأردن لم يخرب نفسه، الأردن لم يقتل. الأردن لم يصدّر الإرهاب يوما الى كلّ الدول العربية، بما في ذلك العراق. الأردن لم يحاول ابتزاز العرب، خصوصا أهل الخليج. الأردن لم يخرّب لبنان ولم يسع يوما الى تدمير مؤسساته.

الاهمّ من ذلك كلّه، الأردن ليس تحت خمسة استعمارات ويعطي دروسا في الوطنية والسيادة. هل هناك من يستطيع تجاهل ان خمس دول تمتلك مناطق نفوذ في سوريا؟ هناك الولايات المتحدة وروسيا وايران وتركيا وإسرائيل.

لم يتاجر الأردن يوما بالفلسطينيين وقضيّة فلسطين. على العكس من ذلك، لم يقدم الأردن على التحرك ضد الفلسطينيين المسلّحين الّا بعد ان اعتبر هؤلاء ان طريق القدس تمرّ في عمان وانّ عليهم قلب النظام. لم يدفع الأردن في اتجاه توريط الفلسطينيين في حرب لبنان من اجل تحقيق مآرب خاصة. سعى الى وضع اللبنة الاولى للدولة الفلسطينية المستقلة عندما اتخذ قرار فكّ الارتباط بالضفّة الغربية في صيف العام 1988. في كلّ ما قام به الأردن، حمى الفلسطينيين من انفسهم وقطع الطريق باكرا على نظرية «الوطن البديل» التي كانت في مرحلة معيّنة هدفا إسرائيليا، لم يكن النظام السوري بعيدا عنه.

أخيرا وليس آخرا، كسر الأردن الحلقة المغلقة التي اسمها حال اللاحرب واللاسلام. رفض دائما العيش على الابتزاز والسقوط في فخّ الوصايات الأجنبية. كلّ ما في الامر ان هناك فارقا بين ملك ارتبط اسمه بالنجاح وبين رئيس لنظام اقلّوي ارتبط اسمه بخراب سوريا وتدميرها. في كلّ احداث «الربيع العربي»، قتل مواطن واحد في الأردن. توفّى هذا المواطن جراء ازمة قلبية. منذ آذار 2011، تاريخ اندلاع الثورة السورية، قتل نصف مليون سوري. ازيلت احياء في مدن وقرى وبلدات من الوجود. هناك ما يزيد على عشرة ملايين مهجّر سوري… وهناك من لا يستحي من إعطاء دروس في الوطنية والتهجّم على الأردن، الذي يبقى رغم كلّ الأخطاء التي حصلت وقد تحصل، قصة نجاح قبل ايّ شيء آخر…

انّها قصّة فارق بين ملك حقيقي يمتلك شرعية تاريخية في الأردن وخارج الأردن.. وبين رئيس لنظام حملته الصدفة الى السلطة في أساس شرعيته دبابة وشعارات فارغة، حوّلت سوريا التي عرفناها جزءا من الماضي.