IMLebanon

بلدة الياس سركيس تنتخب رئيساً… والجمهورية ترقص مذبوحةً على غيابه

تختَصر بلدة الشبانيّة في أعالي قضاء بعبدا الصورة الإنتخابية لبلدات لبنان وبلديّاته، إذ تؤشّر الى إستحقاق بلدي يتنافس فيه الجميع وينقسمون على ذاتهم، فيما يشكل الإنماء المطلب الوحيد لجميع الأهالي.

«تفضّل… أنت في بلدة الياس سركيس»، هذه العبارة تُشكّل مصدر فخر لأبناء البلدة الذين عايش قسم كبير منهم ولاية رئيس، أقل ما يُقال عنه إنّه «آدامي» حكَم في زمن السكاكين والبواريد والذبح على الهوية والتهجير.

لا يمثّل الرئيس الراحل بالنسبة إلى أبناء بلدته رجلاً عادياً فحسب، بل إنه «منبع إعتزازهم». قد يختلفون على كلّ شيء لكنّهم يتّفقون على رمزيّته و«آداميته»، مع العلم أنه من الرؤساء الذين ظُلموا، فالإعلام لا يتحدث عنه كثيراً. لكنّ الحقيقة الراسخة في ذهن أبناء الشبانية ولبنان أنّه من رجال الدولة الكبار الذين نفتقدهم في زمننا الحالي.

تستعد بلدة الشبانية التي يبلغ عدد المسجلين فيها على لوائح الشطب نحو 2000 ناخب يتوزّعون بين 1500 مسيحي ونحو 500 درزي، لإنتخاب بلدية مؤلّفة من 12 عضواً.

«البلدة ستنتخب رئيساً لبلديتها، لكنّ البلد بلا رئيس جمهورية»، إنها المفارقة المؤلمة التي يتحدّث عنها أبناء البلدة واللبنانيون، وهنا يتذكر الجميع بأنّ سركيس إنتُخب في عزّ «حرب السنتين» ولم نصل الى الفراغ الرئاسي حينها، بينما اليوم لبنان آمن والمنطقة تشتعل من حوله.

كذلك فإنّ الرئيس الراحل سليمان فرنجية كان مهجّراً من القصر الجمهوري وإستلم سركيس من بعده جمهورية «مشلّعة»، بينما يبدو القصر الجمهوري اليوم في أبهى حلله وطريقه سالكة، لكنه يفتقد الى صاحب الفخامة الذي يملأ الكرسي.

وعلى رغم ما يعني الرئيس سركيس للأهالي، وهو الذي حارَب الغلاء وحافظ على الأسعار أيام الحرب، إلّا أنّ بلدته تدخل في معركة بلدية عائلية قد تسبّب إنقساماتٍ حادة بين البيت الواحد نظراً لما للبلدية من حساسيات.

الصوت الواحد

المشهد الانتخابي فُرز، والمعركة قد تُحسم بفارق صوت نظراً للحدة التي تواكبها، فالصوت الواحد مؤثّر وهو الذي أسقط سركيس بمواجهة فرنجية في إنتخابات 1970، لذلك تعلّم المرشحون من دروس الماضي الإنتخابي، فتجدهم حذرين ومرتابين، يحسبون حساب كلّ كلمة يقولونها لكي لا يقعوا في المحظور.

إنقسم المشهد الإنتخابي في البلدة بين لائحتين، الأولى برئاسة رئيس البلدية ورئيس إتحاد بلديات المتن الاعلى كريم سركيس، والثانية برئاسة جو مونّس، فيما تركت معظم الاحزاب الحرّية لناخبيها، وتوزّع مناصروها على اللائحتين.

«الإشتراكي»

تربط كريم سركيس علاقة وطيدة برئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، لكنّ الحزب التقدّمي الإشتراكي لم يصدر حتى الساعة أيّ موقف رسمي، وهو كان يفضّل الوفاق، إلّا أنّ أجواء البلدة توحي بأنّه يتّجه إلى دعم لائحة سركيس بعدما فشل الوفاق. مع الإشارة الى أنّ اللائحتين تضمّان ثلاثة مرشحين دروز، ويبدي الجميع حرصه على العيش المشترك وعدم تكرار تجربة الماضي القاسية.

يستعدّ كريم سركيس لإعلان لائحته السبت المقبل، ويؤكد لـ«الجمهورية» «أننا نخوض المعركة تحت عنوان إنمائي وتأخذ الإنتخابات طابع التنافس العائلي»، لافتاً الى أنّ «لائحتنا تضمّ من جميع العائلات في وقت قرّرت الأحزاب الفاعلة عدم التدخل ودعم لائحة معيّنة».

ويوضح أنّ «المعركة البلدية في الشبانية ليس لها دخل بالمعركة على رئاسة الاتحاد، خصوصاً أنّ رئاسة اتحاد المتن الاعلى تتمّ مداورةً بين المسيحيين والدروز».

المواجهة

تقف في الجهة المقابلة لسركيس لائحة جو مونّس التي تضمّ عائلات، وتخوض المعركة تحت شعار الإنماء والتغيير وخلق فرص عمل، ويبدي مونس إرتياحه لسير العملية التنافسيّة، ويقول لـ«الجمهوريّة»: «يهمّنا إنماء الشبانية ونترشّح لتحقيق هذا الهدف وخلق مشاريع تثبت الناس في الجبل». ويضيف: «جميعنا أهل في الضيعة وعندما تنتهي الإنتخابات نتحدّث مع بعضنا طبيعيّاً».

ويشير الى أنّ «أداء البلدية الحالية ليس فاعلاً، فالعمل البلدي ليس «حفّة» أو حيط، بل هناك مشكلات عدّة يجب معالجتها ومن ضمنها غابة الشبانية التي لها ملف في الدولة، فما يهمني هو خلق فرص عمل ووظائف للشباب والأهالي، لأنّ المجموعة المتحكّمة في البلدية لم تقم بشيء منذ 18 عاماً، ونحن نستجيب لصرخة الناس».

ويؤكد مونّس تمسّكه بالعيش المشترك في البلدة وإبعاد السياسة من البلدية، «فقد ترشّحت لأنني من اكبر عائلة في البلدة، ولم أتحدّث مع الأحزاب»، مشيراً الى أنّ «القوّات» و«التيار الوطني الحرّ» تركا الحرّية لمناصريهما».

الأحزاب

عناوين كثيرة تطغى على المشهد الإنتخابي، لكنّ الثابت الوحيد أنّ قوّة الأحزاب وقدرتها التجييريّة تتلاشى أمام العصب العائلي، وخصوصاً في مناطق الجبل على رغم وجود مرشّحين على كلّ اللوائح. وفي هذا الإطار يكشف مسؤول قسم الشبانية الكتائبي ايليا مونّس أنّ «هناك كتائبياً مرشحاً على لائحة كريم سركيس لذلك سندعمه وندعم اللائحة على رغم أنّ المعركة عائلية»، لافتاً الى أنّ «زوجته مرشحة الى «المخترة».

ويوضح لـ«الجمهورية» أنّ «سركيس يحظى بدعم الحزب التقدمي الاشتراكي لأنّ هناك علاقات تجمعه مع النائب جنبلاط وهذه أمور تؤثر في سير المعركة الإنتخابية».

الترشيحات الشخصية هي سيّدة الموقف في الشبانية، إذ إنّ قيادتي «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» طلبتا من المسؤولين في البلدة إعطاءهما علماً وخبراً بمَن سيترشّح من دون أن تصل الأمور الى تبنّي أحدهما دعم لائحة معيّنة.

وفي هذا السياق، يؤكد منسق التيار في الشبانية جوال سركيس لـ»الجمهورية» أنه ترشّح على لائحة «شراكة ومحبة» التي يترأسها جو مونّس و»بصفتي الشخصية العائلية لا بصفتي كمنسّق للتيار»، مشيراً الى أنّ «المعركة أخذت طابعاً عائلياً بدلاً من الحزبي، حيث هناك تنافس بين لائحتي كريم سركيس ومونّس، فيما تضمّ اللائحتان مناصرين للتيار بعدما قرّرنا ترك الحرية للناخبين، وتضمّ لائحتنا ثلاثة مرشحين دروز».

وكما جميع سكّان الشبانية، يُبدي سركيس إفتخاره بأنّه ابن البلدة التي أنجبَت الرئيس سركيس، لأن «وين ما نروح بقولولنا الله يرحم هالرئيس، كان آدمي».

وكَدليل على توزّع الحزبيّين على اللوائح، يترشّح القوّاتي جورج قرداحي على لائحة مونّس وأيضاً بصفته العائلية وليس الحزبيّة، ويوضح لـ«الجمهوريّة» أنّ «التنافس بين الرؤوس هو ذاته مع تغيير في القاعدة»، لافتاً الى أنّ «المعركة بين بيت مونّس وسركيس ونحن مع لائحة جو مونّس التي تمثّل الإنماء، وتألّفت من الشباب المثقفين الذين يريدون إعطاء البلدية وليس الاخذ منها».

ويؤكد أنّ «اعضاء اللائحة يأتون ببرنامج إنمائي لخلق فرص عمل وتوظيف الشباب والنهوض بالبلدة، وهي تضمّ أيضاً متموّلين، لكنّنا من أجل الفوز، راعينا التوزيع العائلي»، معتبراً أنّ «البلدية القديمة لم تُقدم على التنمية، لذلك وحرصاً على بلدتنا، قرّرنا العمل من داخل المجلس البلدي في حال فزنا في وقت كنا نعمل من خارجه».

كلما إقترب موعد الإنتخابات في الشبانية، كلّما زادت حدّة التنافس في البلدات، وبما أنّ البلدية تعتبر السلطة التنفيذية ضمن نطاق سلطتها، فلا يمكنها أن تسير بلا رئيس، وإلّا تُحلّ ويستلم القائممقام مهامها، فكيف الحال بالنسبة الى الجمهوريّة اللبنانية التي تفتقد الى رئيس الجمهورية، وباتت مفاتيح الأحكام والأختام تتناتشها قوى داخلية وخارجية، فيما البلاد مفتّتة لكن من دون حرب هذه المرّة، وكأنّنا نعيش المرحلة التي استلم فيها سركيس الحكم… «سلمياً».