IMLebanon

التشييعات تأسر.. «الانتصارات»

سقوط عناصر من «حزب الله» في كل بقعة يتواجد فيها، في ارتفاع مُستمر وتبدّل دائم بين لحظة وأخرى، وكأنها بورصة قتل تأبى أن تستقر على حال واحد. معضلة غاية في الصعوبة تعجز عن حلّها القيادة على خطّي بيروت ـ سوريا والعكس، وما يصعب على هذه القيادة إخفاؤه، تتكفّل به مواقع حلفاء الحزب الإخبارية وبعض عناصره الذين تحوّلوا بدورهم إلى مصدر موثوق يمكن الركون اليه في عمليّة الكشف عن الأسماء والأعداد. خلال أقل من اسبوع، شيّع الحزب أكثر من عشرين عنصراً سقطوا في جرود عرسال وثلاثة عناصر تقريباً سقطوا في الداخل السوري. الحزب يُحاول إمتصاص النكبة هذه من خلال عملية يضبطها بشكل مُحكم يتم خلالها «الإفراج» عن أسماء هؤلاء العناصر على دفعات، لكن في المقابل، فان عدداً من المواقع الخاصّة المؤيدة له، كانت أسرع في الكشف عنهم وعن بلداتهم وحتّى عن ألقابهم العسكرية.

عدد قادة «حزب الله» وعناصره الذين سقطوا ويسقطون في سوريا واليوم في جرود عرسال، هو في ارتفاع دائم ويتبدل بين لحظة وأخرى. وعلى الرغم من خروج الحزب من حالة الاختباء وراء اصبعه في عملية تعداد السقوط المستمر، إلا أن هذا الأمر ما زال يُشكّل له إحراجاً كبيراً داخل بيئته وبين جمهوره، تحديداً خلال تقديم قادته واجب العزاء في القرى والبلدات، وذلك أمام دموع النسوة وأسئلتهن المُحرجة، خصوصاً المُتكرّرة منها والمتعلقة بموعد عودة أبنائهم من هذه الحرب. وهم الذين ظنّوا بعد إعلان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله إنسحابه من المواقع في الجرود، أنهم أصبحوا خارج «لعبة» الموت التي تتحكم بمصيرهم منذ ست سنوات وما زالت على الحال نفسه لكن مع تبدّل بسيط في الأماكن.

حسن عباس المصري من بلدة طليا البقاعية، ومحمد جميل وجعفر علي مشيك من البقاع وعلاء كرنيب من بلدة حداثا الجنوبية. أربعة شبان تم تشييعهم أمس كانوا سقطوا في معركة جرود عرسال منذ يومين. وبهم يستمر الوجع والنزف الحاصل ضمن بيئة ما عادت تستوفي شروط الإطلالات المُتلفزة لتتحدث عن «فخرها» في خسارة الأبناء على طريق «الشهادة»، بعد أن صارت الدموع تكشف ما تُخبئه القلوب والتلاسن مع القادة الوافدين لتقديم التعازي، مشهد يومي يطبع حياة الأهالي ويعكس حالة من عدم الرضى حول كل ما يجري وحول المصطلحات التي يتم استخدامها على المنابر والتي يتم تخديرهم بها لدرجة أن شقيقة أحد العناصر الذين تم تشييعهم منذ فترة وجيزة في البقاع، سألت احد وجهاء الحزب عن «أبناء القادة ودورهم في هذه الحرب».

تتبدل جبهات قتال «حزب الله» من مكان إلى آخر. حلب، دمشق، القلمون، إدلب، جرود عرسال وغيرها الكثير من الأماكن التي يُجرّ اليها عناصره ضمن مشروع يتخطّى معتقد «الشهادة في سبيل الله» أو الصراع ضد الوجود «التكفيري». ويبقى الثابت الوحيد، أن هناك شُبّاناً ما زالوا وقوداً لمشروع قتل في المنطقة تقوده ايران تحت أسماء متعددة مذهبية. والمؤكد أن ما يجري في بيئة الحزب اليوم وتحديداً لجهة سقوط هذا الكم الهائل من العناصر في سوريا واليوم في الجرود، لم يصل بالتأكيد إلى اهتزاز ثقتها بالحزب، لكن من شأنه أن يترك آثاراً بالغة في نفوسهم تولّد لديهم انطباعات تشي بفترة ضبابية مُقبل عليها «حزب الله» من الصعب أن يتمكّن فيها من تحديد الأرض التي يقف عليها أو حمايتها، أو على الأقل تخفيف النزف البشري الذي يُلاحقه من ميدان إلى آخر.

اليوم، يصعب على «حزب الله» بعد مضي ست سنوات تقريباً على انزلاقه في الحرب السورية، أن يرتضي لنفسه الخروج من هذا المستنقع بعد كل هذه «الخسارات» منذ يوم دعوته للمشاركة في حرب استنزفته حتى النخاع، من دون تحقيق أي مكتسبات يُمكن أن تعوّضه عنها أو أن يُجاهر بها أمام خصومه وبيئته على حد سواء إذا ما اضطرته الضغوط ذات يوم، للكشف عن «الإنجازات» التي حقّقها مقابل كمية الخسائر الباهظة والمُكلفة التي تكبدها. ضمن هذه المساءلات برز وجع قديم لكنه استجد بعد ظهور ثلاثة عناصر أسرى للحزب موجودين لدى «هيئة تحرير الشام» هم: حسن نزيه طه من بلدة الهرمل، محمد مهدي هاني شعيب من بلدة الشرقية جنوب لبنان ومحمد جواد علي ياسين من بلدة مجدل سلم الجنوبية.

يتحدث العنصر شعيب خلال عملية تصوير مقطع الفيديو الذي لم تتجاوز مدته الدقيقة وعشر ثوان فيقول: نناشد باسم الأسرى الموجودين لدى هيئة تحرير الشام أهالينا وجميع الأهالي في لبنان وخصوصاً حزب الله بان يوقف هجماته على القلمون خلال ساعات وإلا سوف نكون نحن الضحية. ونتأسف لأننا في الأسر منذ عام وتسعة أشهر من دون ان يُسأل عنا. ونسأل أهالينا أن يتحركوا وأن يوقفوا هذه الهجمة بأسرع وقت«.

من قلب وجع الأهالي وخصوصاً الأمهات، تنظر والدة أحد عناصر»حزب الله«الذين يقاتلون في سوريا، باتجاه الحدود اللبناية – السورية وهي تُتمتم ببضع كلمات تُصاحبها دموع تنهمر على خدّيها. تقول لمن حولها من أبناء وأقارب»يا رب إحمي كل شاب وأعده إلى أهله سالماً». لكنها في قرارة نفسها، تعلم أن من رحل خلف الحدود سواء ترهيباً أو ترغيباً، لن تكون عودته بإرادته وربما ليست على النحو الذي تتمناه وتأمله. فهناك كثر عادوا من تلك الحرب المجنونة، لكن إلى مثواهم الأخير بعد أن كتبوا في الغربة، رسائل تُعبّر عن أحلامهم وأمنياتهم وأودعوها لدى مجهول من بينهم قد يعود ذات يوم ويُسلّمها إلى أصحابها ولو في زحمة عمليات التشييع.