IMLebanon

جدار النار في عرسال اللبنانية  

الجدار الناري الذي اقامه الجيش اللبناني في جرود عرسال لمنع ارهابيي النصرة من التقدم مجددا باتجاه البلدة واحتلالها هي الخطوة الاستراتيجية الاهم، لبنانيا، في المعركة الدائرة هناك. فتحصين وحماية هذه المنطقة اللبنانية، باهلها ونازحيها، هو واجب الحكومة اللبنانية وقواها العسكرية، الا ان دلالات هذه العملية تتجاوز الوقائع الميدانية.

المعركة الدائرة في جرود عرسال اللبنانية والقلمون السورية، مع ما فيها من عوامل تداخل جغرافي ديمغرافي عسكري وسياسي، هي جزء من الحرب السورية المشتعلة منذ ست سنوات ونيف. هذه الحرب دخلت مرحلة جديدة، هي مرحلة تثبيت مواقع النفوذ والسيطرة لاطرافها، المحليين (النظام والمعارضة) والاقليميين والدوليين، وثمة معارك كثيرة تدور في انحاء عدة من سوريا تحت سقف التفاهم الروسي الاميركي على اهماد نيران الحرب تمهيدا لاطفائها، لانتاج حل، لا احد يعرف بعد مضمونه.

اي تحليلات تشطح نحو تحميل هذه المعركة ابعادا داخلية لبنانية هي خاطئة وواهمة. خاطئة لان الحديث عن «صمت رسمي» ازاء المعركة هو نوع من التخوين تحت عناوين التباكي على السيادة، وهو مزايدة رخيصة يأمل البعض صرفها في حسابات أخرى مع العهد والحكومة. وواهمة لان المتهمين لا يفهمون الوقائع الجديدة في الازمة السورية، ولا يعرفون مغزى واهمية ان يحضر لبنان في هذه اللحظة المفصلية في واشنطن وفي قلب البيت الابيض.

قالوا ان المعركة انطلقت للتشويش على لقاء الرئيس سعد الحريري مع الرئيس دونالد ترامب.  ولكن هل خطر ببال المزايدين ان الزيارة  المقررة قبل فترة، وهي في اطار جولة دولية، تشمل موسكو وباريس، تهدف الى استكمال الجهد الدؤوب للحريري منذ بدايات الازمة السورية، لابعاد لبنان عن  تداعياتها السلبية، ومن هذه التداعيات وجود البؤرة الارهابية في جرود عرسال.

لا دور فعليا للبنان الرسمي في تفاصيل الحرب السورية، وتدخل حزب الله هناك الى جانب النظام، او مساهمات بعض المجموعات المتطرفة في بعض معاركها الى جانب المعارضة، لا تبدل في هذا الواقع. واذ تقرر اقليميا ودوليا حسم معركة الحدود اللبنانية السورية، فما على لبنان سوى العمل بمصلحته.

الرئيس الحريري استبق المعركة بالاعلان ان الجيش سيقوم بعملية مدروسة في جرود عرسال، كشفت مجريات الايام الثلاثة الماضية حقيقتها، وهي عزل وحماية البلدة عن نار الجرود، واكد وزير الداخلية نهاد المشنوق ان الجيش تعاطى بمنتهى الدقة والحكمة والوعي مع الأوضاع على الأرض.

سبق للمشنوق ان قال في تصريح شهير ان عرسال محتلة من قبل الارهابيين، اليوم يمكن القول ان باتت على طريق التحرر من جماعات مجرمة احتمت بالنازحين الابرياء، وغدرت بالجيش، وياهالي عرسال الذين احتضنوا النازحين، ولم يسجل لمسلحي الارهاب ابو مالك التلي، لها سوى انجازين اسودين: خطف عناصر مخفر قوى الامن الداخلي  شبه العزل بالخديعة، والاستقواء على راهبات معلولا العجائز… من اجل حفنة من الدولارات.

وفي الوقت الذي تعمل الحكومة على ايجاد حل اممي لازمة النازحين عبر تأمين عودتهم الآمنة الى ديارهم، فان وجود هذه البؤرة الارهابية التي تعتاش من سرقة مساعدات النازحين على الارض اللبنانية وفي منطقة حدودية حساسة، من شأنها ان تعرقل اي حلول ممكنة ان تتبلور في المستقبل القريب.

لا يمكن للبناني مخلص ان يقف الى جانب هؤلاء الارهابيين، او ان يتعاطف معهم، ولو اعلاميا. صحيح ان معركة حزب الله في جرود عرسال اقليمية دولية، وهي كما سبق وذكرنا، جزء من الحرب في سوريا، ومفهوم ان لا يؤيد البعض الحزب في حربه  التي يخوضها في عرسال وفي كل سوريا، الا ان ثمة مصلحة للوطن في اجتثاث الامارة الارهابية، لتبسط الدولة اللبنانية حصرا سيادتها عليها.

حسابات لبنان يجب ان تكون لبنانية صرفة، اي بابعاد نيران هذه المعركة، كما الحرب السورية كلها عن لبنان.

هذا ما يفعله الجيش باقتدار في الجرود، وهذا ما تفعله الحكومة في واشنطن الآن.