IMLebanon

سيقتلون لبنان.. ولن يندموا؟!

كان الشاعر نزار قباني يحبّ لبنان والعاصمة بيروت، حباً كبيراً لا يقاربه فيه او يضاهيه سوى حب الشاعر سعيد عقل، مع فارق اساس، ان قباني سوري الجنسية، وعقل لبناني زحلاوي، وكثر كانوا يحسبون ان نزار قباني لبناني بيروتي، اولاً لأنه كان دائم السكن في بيروت، وثانياً لأنه من عائلة قباني، وهي عائلة بيروتية كبيرة ومعروفة، وثالثاً، لأنه كتب العديد من القصائد اثناء الحرب في لبنان، تحكي عن حبّه وشوقه وتعلّقه بلبنان وبيروت، وعن ألمه الشديد لتحويل لبنان الثقافة والعلم والنور والجمال والحرية الى ساحة او صحراء من القتل والتدمير والبشاعة، كما انه لم يكن على وفاق مع الأنظمة العربية القائمة، وخصوصاً الأنظمة الدكتاتورية والشمولية.

هذه المقدّمة عن نزار قباني ليست موضوع مقالي، بل هي تمهيد لموضوع مقالي الذي يستند الى قصيدة كتبها نزار يهاجم فيها انغماس العرب في حرب لبنان عنوانها «ستقتلونه وتندمون..» وهو بالطبع يعني لبنان الذي أحبّ.

التاريخ يعيد نفسه، ولكن في شكل مختلف، لأن من يقتل لبنان اليوم، هم ابناؤه، أو القسم الاكبر منهم، مع فارق وحيد، أنهم يقتلون لبنان والدولة، ولن يندموا، لأنهم يعرفون ماذا يفعلون، وهذه هي الوقائع.

كل من يساهم في الفساد، وفي هدر المال العام، وفي تلويث البيئة، وفي حماية المجرمين والمرتكبين، وفي تجاوز القوانين، وفي مخالفة الدستور، وفي ترهيب الناس والقضاء، وفي الولاء والانتماء لغير لبنان، وفي حمل السلاح غير الشرعي واستعماله، وفي تقديم الطائفة والمذهب على المواطنة، وفي قمع الحريات وعدم احقاق الحق، هم من يعدمون الدولة ويقتلون لبنان، وقد تناوبوا على ارتكاب هذه الجرائم منذ عقود، ولم يخجلوا.. ولم يندموا.

السلطة في لبنان اليوم، واقعة في مأزق، لم يعد بامكانها ان تقوم منه، حتى ولو دفعت الثمن الغالي، فالوزارات والادارات العامة، تغص بالمحاسيب والانصار، وهؤلاء «كسروا» على الدولة والمسؤولين وقوى الأمن، واصبحوا ملوك الشارع بلا منازع، يحميهم عن قرب او عن بعد، من «حشا» بهم المؤسسات تسلّلا، فتحوّلوا الى قنابل موقوتة، او ورقة ضغط غب الطلب.

لبنان بأطرافه، وبقلبه العاصمة، تحوّل الى ساحة تجد فيها جميع انواع التوترت. توتر طائفي، وتوتر مذهبي، وتوتر سياسي، وتوتر مطلبي، وتوتر اجتماعي بوجود مليوني غريب على ارضه، ويزحف الى الساحة لاحتلال زاوية له، توتر مالي، بعد الاخبار عن عقوبات مالية قد تطول شرائح واسعة من الشعب اللبناني، فأين المفرّ يا حكومة ومسؤولي لبنان، والتوتر اياه يطل من الحدود الجنوبية مع العدو الاسرائيلي، ومن حدودنا الشمالية مع المنظمات الارهابية التكفيرية؟

* * * *

من حيث المبدأ، الجيوش ترتاح الى أوضاعها، وترتفع معنوياتها عندما تكون الجبهة الداخلية متراصّة وقويّة، وتشكل دعماً قوياً دائماً لقواتها المسلّحة، هذه الحالة، غير متوفرة في لبنان، بوجود هذا الكمّ من المشاكل والتفكك، وعدم الشعور بخطر الايام المقبلة، وخصوصاً في الجبهة المقابلة للارهابيين، حيث يخوض الجيش معارك استباقية لابعاد الخطر عن البلدات الحدودية وسكانها، ولبنان الشعب والمخلصين من المسؤولين، يقدّر عالياً، شحنات السلاح الاميركي التي تصل الى جيشنا بعد كل معركة لتزويده بالذخيرة والعتاد والسلاح اللازمة لمواجهة التنظيمات الارهابية التي تحاول ان تتمدد الى الداخل اللبناني، كما ان مؤتمراً على مستوى الخبراء ستعقده الدول الخمس الكبرى في العاصمة الايطالية روما، ينضم اليه خبراء من ايطاليا والمانيا واسبانيا للبحث في حاجات الجيش اللبناني على ان يعقد مؤتمر آخر على مستوى الوزراء بعد شهرين للغاية نفسها.

الدول الصديقة، تهتم بنا وبجيشنا، اكثر من اهتمام المسؤولين والقيادات، على توفير اوضاع مريحة في الداخل، يطمئن اليها المواطنون، وقواتنا المسلّحة، ولكن الجيش والشعب في واد، والطبقة السياسية التي جرّبت سابقاً وسقطت، في وادٍ آخر، ولم يعد هناك أمل، سوى بالدم الجديد الذي فرض نفسه ليحقق للشعب بعضاً من تغيير.