IMLebanon

تنابل هذا الزمن الرديء وحارة كل مين إيدو إلو  

«عن جدّ» إننا في بلد بات أشبه ما يكون بمسرحية غوار الطوشي عن «حارة كل مين إيدو إلو»… ولا يقتضي المراقب، بل المواطن العادي، الكثير من الجهد حتى يكتشف الحارات، وتوزيعها، ومنافعها، وزعيم الحارة، وبوليسها، والقبضايات فيها، وكذلك الزعران.

ونبادر الى القول إننا لا نقصد بالحارات تلك المربعات الأمنية المتمادية النمو في العاصمة والضواحي والمناطق.

وبالطبع إننا لا نقصد العائلات الروحية والزمنية في حدّ ذاتها، إنما بقدر ما يستغل قادتها وزعماؤها مواقعهم ونفوذهم وظروف الناس القاسية والصعبة في هذه الأوضاع الإقتصادية المعروفة التي تُنيخ بأثقالها على الناس.

ومن باب أولى أننا لا نقصد الحارات السكنيّة المعروفة في معظم بلداتنا اللبنانية الجميلة: حارة الفوقا، حارة التحتا، حارة البطم، حارة السيدة، حارة الروم، حارة النصارى، حارة الصليب (…).

إنما نقصد حارات أخرى كثيرة في ميادين ومواقع عديدة ليس على قياس العقارات والأطياف والشقق، إنما على قياس المنافع غير الشرعية، والمداخيل المشبوهة، والقوانين (ومشاريع القوانين واقتراحات القوانين) الملغومة.

ونقصد أيضاً «الحارات» السياسية حيث استغلال النفوذ يبلغ ذروته، وتجاوز القانون بات ضرباً من يومياتنا، و«السلبطة» في «أبهى» مظاهرها، و«الجوع المزمن» الى الثروات والنفوذ بأي ثمن، وبأي وسيلة، وبلا خجل، بل وبلا حد أدنى من الحياء… في زمن يجري التهافت على الثروات بشكل نأذن لنفسنا أن نسميّه مَرَضي ويحمل جرثومة ڤيروس العدوى لهذا الوباء الفتّاك.

ونقصد حارات العجز القاتل التي يتربّع فيها تنابل هذا الزمن الرديء الذي كتب علينا أن نعيشه منذ عقود، فإذا الشعب تحت التاحتين، أي لم يعد تحته تحت، وإذا التنابل فوق يمعنون فساداً ويتمادون في غيّهم… إنما هم عاجزون فعلاً عن أي تغيير، ورافضون فعلاً لأي إصلاح، و«مستمخون» فعلاً بهذا الإنهيار الإقتصادي، وهذا الإنهيار الإجتماعي، وهذا الإنهيار في سلم الأخلاق، وهذا الإنهيار الفني – الثقافي المروّع.

ونقصد، حارة النسبية، وحارة الأكثري، وحارة التأهيلي، وحارة الفردية، وحارة الأرثوذكسي، وسائر حارات هذه المشاريع القوانين التي تكرّس نظرية «حارة كل مين إيدو إلو» على قاعدة ما يسعى إليه صاحب كل حارة من تسجيل نقط وأرباح.

ونقصد حارات أولئك الذين ورثوا البلاد والعباد عن آبائهم الذين ورثوها هم أيضاً عن آبائهم، كما ورثها أجدادهم بدورهم… ونقصد أكثر، خصوصاً، الذين جاءوا ضدّ الإقطاع والغطرسة والظلم بإسم الكادحين والمحرومين والمظلومين هنا وهناك (أي بإسم الشعب كله) فأنشأوا إقطاعات أكبر وأخطر، وبرعوا في الغطرسة واحترفوا الظلم…

وحديث الحارة عندنا يطول أكثر مما طالت مسلسلات «الحارة» التلفزيونية.