IMLebanon

ثلاثة خيارات أمام الحريري .. لا رابع لها

لو حطت طائرة سعد الحريري، اليوم، في مطار بيروت، لاعتقد المتحمسون للطبخة الرئاسية، أنّه سيتوجه فوراً الى الرابية ليضع مع «جنرالها» اللمسات الأخيرة على «تسوية الرئاسة».

ربما هناك من راح يكتب «سكريبت» الإخراج النهائي لهذا اللقاء فور سماعه نبأ العودة، فتخيلهما يتصافحان ويتعانقان أمام أضواء الكاميرات المحتشدة في حديقة الفيلا الصغيرة، قبل أن يتوجها سوياً الى البرلمان لوضع اسم ميشال عون في «الصندوقة».

ربما أيضا فاضت الكثير من المخيلات صبيحة يوم الأحد بالسيناريوهات المستفسرة عن توقيت عودة سعد الحريري الى بيروت، عشية الجلسة الـ45 التي أرادها العونيون، مفصلية: فإما تقودهم الى «جنّة الرئاسة»، وإما يقودون الآخرين الى «جهنم الشارع».

وهناك أيضاً من رصد العودة بعقل بارد، بحثاً عن إشارة، إيجابية أو سلبية، من شأنها أن تجيب عن سيل التساؤلات التي حملها الحريري معه في حقائب «عودة الغفلة»: هل «نقشت» فعلاً مع العونيين وجاءهم «الشيخ» بالخبر اليقين؟ هل تحصّن بكلمة سر سعودية قادرة على «انتشاله» من «ورطة» التردد، أم أنّ الرجل عاد كما غادر خالي الوفاض، ولا يزال متروكاً لمصيره؟

عارفو الرجل يدركون تماماً أنّه محكوم بثلاثة مسارات لا رابع لها، يفترض أن عودته إلى بيت الوسط ستحسم الجدل حولها لتحدّد أي طريق سيسلك في المرحلة المقبلة:

ـ إما التمرّد على «الحالة الانتظارية» المتغلّبة عليه مذ أدارت الممكلة ظهرها للساحة اللبنانية، تاركة ملفاتها المتشابكة في آخر سلّم أولوياتها، فيأخذ المبادرة بذاته ليضع يده بيد الجنرال بمعزل عن الأثمان التي سيتكبدها سواء من مخزونه الشعبي أو من رصيد علاقته بالرياض وما يعني ذلك من أكلاف للتضحية بالغطاء الاقليمي.

ـ إما تمديد حالة «الستاتيكو» القائمة على أساس سياسة الأبواب المفتوحة وتعددية الاحتمالات، فلا يقطع الحبل بميشال عون، ولا يفلت يدي سليمان فرنجية، على أن يعمل في المقابل على شدشدة مفاصل بيته الداخلي الآخذ في التشقق، سواء لجهة العلاقة مع الكتلة النيابية ورئيسها فؤاد السنيورة، أو لجهة «تيار المستقبل» الذي يستعد لعقد مؤتمر عام يُنتظر منه أن يضخّ بعض الروح في شرايين الحزب الجافة. وقد يتطلب الأمر بعض التصعيد في الخطاب والتصلّب في المواقف.

ـ إما تخطيّ خيارَي عون وفرنجية «المقفلين»، لينتقل الى مربع مرشح ثالث قد يكون الترياق في احتمال قبوله من بقية القوى السياسية.

ـ وإما الذهاب إلى أقصى الخيارات وأصعبها، وهي المواجهة السياسية الشاملة مع خصومه المحليين، وتحديداً «حزب الله» بما يعني ذلك قطع حبل سرّة الحوار الثنائي وحشد المنابر و «الجبهات» تناغماً مع لغة التصعيد في الاقليم.

مما لا شك فيه أنّ العونيين يأملون ويتصرّفون على أساس أنّ الغلبة ستكون للخيار الأول مهما طال أمد شدّ الحبال، لا بل هم يعتقدون أنّ تصعيدهم المتدرّج من شأنه أن يفرض هذا المسار ليكون آخر الكيّ بالنسبة للحريري الباحث عن دواء شخصي.

يقول «مستقبليون» إنّه متى منحت السعودية الضوء الأخضر للحريري، سيكون كسر اصطفاف السنيورة وبعض فريق «المستقبل» النيابي المعارض لترشيح «الجنرال»، سهلاً لا بل بديهياً. ولكن اذا لم يتأمن العامل السعودي، فستكون مهمة الحريري صعبة للغاية.

كما أنّ تخطي زعيم «تيار المستقبل» للاعتبار السعودي إذا ما سدّ بوجهه الأفق ولم يجد منقذاً إلا اندفاعته الذاتية نحو ترئيس ميشال عون، سيحمله الى الاحتماء بالإجماع اللبناني لهذا الخيار، الأمر الذي لا يزال حتى اللحظة مفقوداً، بدليل أنّ الرئيس نبيه بري لا يتوانى عن القول صراحة إنه يميل لتأييد وصول القطب الزغرتاوي الى الرئاسة الأولى، وبالتالي على الحريري اذا ما سار في هذا الطريق، أن يشبك أولاً يديه بيدي رئيس المجلس ومعهما وليد جنبلاط كي لا يضطر الى مواجهة جبهة داخلية وغضب سعودي. الاحتمال الذي يوصف بـ «الانتحار السياسي».

تحت وطأة هذه الخيارات الصعبة، حطّت طائرة الإياب في بيروت. يصعب على متتبعي المسار الرئاسي رصد أي مؤشرات ملكية ايجابية قد تكون موضبة في حقائب سعد الحريري. يقولون لو انّ الرياض ستفعلها لكانت أرسلت بعض الإشارات الطيبة الى الرابية لتسهيل الطريق.

يمسك هؤلاء المقالة التي خطها الحريري في «نيويورك تايمز»، كما الحديث الذي أدلى به الى «وكالة الأنباء السعودية»، كدليل على «التصحّر» في علاقة الرجل مع الديوان الملكي.

في الأولى، وجّه راجمات صواريخه ناحية ايران التي «تتدخّل في الشؤون العربية من اليمن إلى البحرين والعراق وسوريا ولبنان»، وفي الثانية، أثنى على العلاقة بين لبنان والسعودية والتي «لن تتأثر بمحاولات بعض الأطراف الإساءة لدور المملكة وتشويه صورتها لحسابات إقليمية معروفة، لأن أكثرية اللبنانيين تحرص على استمرار هذه العلاقة التي تصب في مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين».

والأهم من ذلك كله، أنّ الرجل ركب طائرة العودة من دون أن يتمكن من خطف موعد ولو سريع مع أي من الأمراء النافذين في الديوان الملكي كي يفهم أي مصير ينتظره، وهو الذي كان يعتقد أنّ الرسائل المكتوبة عبر بريد الإعلام، ستفتح له الأبواب الموصدة، خصوصا أن هناك من أوحى له أن المقابلة أولا والمقابلة ثانيا يمكن أن يؤديا غرضهما.. سعوديا.