IMLebanon

هكذا تحوّل «الحكيم» الى «وكيل» حصري للتعطيل السعودي

لم تشكل مقاطعة القوات اللبنانية للحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري «مفاجأة» لاحد، «المضبطة» الاتهامية التي برر من خلالها «الحكيم» عدم المشاركة لم تنطل على أحد، المقاطعة هذه المرة لا ترتبط بالتنافس على الشارع المسيحي مع الجنرال ميشال عون بعد التفاهم معه على «خارطة طريق» تنظم قواعد «الاشتباك»، عنوان رفض الجلوس على «الطاولة» اقليمي، انها «رسالة» سعودية الى الداخل والخارج بعدم وجود رغبة في «تعبيد الطريق» امام اي تسوية على الساحة اللبنانية. لكن لماذا «اعتماد «الحكيم» صندوقة بريد» وليس تيار المستقبل «الوكيل» السعودي الحصري في لبنان؟ والاهم من ذلك يبقى السؤال عن اسباب عدم رغبة الرياض في التوصل الى تفاهم مع ايران حول الملف اللبناني؟

عندما حاول الرئيس بري استشراف الموقف السعودي عبر اطلاع سفير المملكة في بيروت علي عوض العسيري على نيته الدعوة مجددا الى طاولة الحوار، سمع ما كان ينتظره من «نثر» معتاد ودعم لاي خطوة تحفظ الاستقرار الداخلي وتساهم في ابقاء «الستاتيكو» القائم على ما هو عليه، لكنه لم يسمع اي كلام مفيد حول نية الرياض تقديم ما هو مفيد لتحريك التسوية الداخلية، وبحسب اوساط بارزة في 8 آذار، فهم رئيس مجلس النواب ان النوايا السعودية «السليمة» تقف عند حدود الحفاظ على «الجليد» وليس العمل على «تذويبه». هذا الامر لم يلب طموحات «سيد» عين التينة ولكن «القرقشة» ولا «الجوع» دفعته الى تفعيل الفكرة وتوسيع حلقة النقاش الى ان افضت الاتصالات الى اطلاق مبادرته خلال احياء ذكرى تغييب الامام موسى الصدر في النبطية.

الترجمة العملية للرغبة السعودية بتجميد «الساحة» اللبنانية،جاءت من خلال مسارعة رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري الى الموافقة على الدعوة دون استشارة حلفائه في 14 آذار، طبعا «حرد» جعجع وعاتب لكنه استمزج رأي القيادة السعودية وعرض وجهة نظره المعارضة للتفرد، وكذلك قدم مطالعة تشير الى عدم جدوى الحوار باعتباره يقدم خدمة مجانية الى حزب الله، فكانت المفاجأة في الرد السعودي الذي نقله السفير في بيروت ومفاده، «ومن قال اننا نريد منك الحضور، المطلوب المقاطعة لافهام من يعنيهم الامر ان شيئا لن يتغير، ولو كان الامر عكس ذلك لكان حضورك ضروريا، فالمملكة غير معنية بان تكون القوات خارج اي حل او تسوية، لكن لا شيء في المدى المنظور، الغياب لن ينسف الحوار ولكنه «رسالة» ضرورية في هذا التوقيت».

هذه المهمة السعودية الموكلة لجعجع لا يمكن لتيار المستقبل ان يقوم بها، فغياب «التيار الازرق» عن الحوار يعني تأزيم الموقف والدفع الى مواجهة سنية -شيعية لا ترغب بها الرياض، كما ان «المستقبل» المستمر في جلساته الحوارية مع حزب الله لا يمكنه رفض دعوة بري التي وسعت دائرة الحوار ولم تضف الى جوهره شيئا، فلا مبرر للمقاطعة، ولا داعي لتحمل وزر زيادة الاحتقان في البلاد، وهذا ما يجعل «الحكيم» «وكيلا» حصريا للتعطيل السعودي، «والبوصلة» الدالة على تبدل «المزاج» في المملكة، بعد ان خرج «التيار الازرق» من دائرة التوظيف المفيد، وبات الاستثمار فيه يسبب «الصداع».

اما لماذا لا ترغب الرياض في انضاج التسوية اللبنانية، فالجواب بكل بساطة ان السعودية غير مستعدة بعد لعقد تفاهمات «جانبية» قبل الحصول على ضمانات بحلول مرضية في الملفات الاكثر اهمية وفي مقدمتها اليمن وسوريا. وبحسب اوساط دبلوماسية فان الحليف الاميركي لم يقدم ما يثبت انه سيخوض بالنيابة عن المملكة «معركة» تأمين مصالحها في ملفات معقدة تبدو فيها الاولوية لبناء جسور الثقة مع ايران بعد توقيع الاتفاق النووي، فالملك سلمان بن عبد العزيز عندما اعتذر عن حضور القمة الخليجية – الاميركية التي انعقدت في كامب ديفيد في شهر ايار الماضي، بحجة الانشغال بالإشراف على تقديم المساعدات الانسانية للشعب اليمني، كان في حقيقة الامر يوجه رسالة مفادها انه مستاء من التوصل الى الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية، لكن موقفه اليوم ازداد صعوبة، فبالتزامن مع دخوله الى البيت الابيض، كان الرئيس الاميركي باراك اوباما يحقق انتصارا سياسيا مهما بعدما نجح في تأمين تأييد كاف لتمرير الاتفاق النووي في مجلس الشيوخ، وهكذا أصبح الاتفاق الذي يقلق السعودية واقعا لا مفر من التعامل معه، ولم يعد مجديا اي كلام مع اوباما لاعادة النظر به.

وتلفت تلك الاوساط الى ان الاستياء السعودي لا يقتصر على الاتفاق النووي مع ايران وتداعياته على التوازنات في المنطقة، ويبقى الملف السوري في مقدمة الخلافات في ظل اتهامات السعودية لادارة اوباما بالفشل المريع، وتدرك الرياض انها ليست قادرة على تغيير «قيد انملة» في سياسة اوباما السورية، خصوصا انه ليس في وارد التورط بالازمة هناك، وهو على اعتاب عامه الاخير في البيت الأبيض، وقريبا يتحول الى «بطة عرجاء» ولا يريد افساد «الطبخة» مع ايران. وهذا ما يدفع السعودية الى التريث في معالجة ملفات المنطقة بانتظار الادارة الاميركية الجديدة مع الامل بان يعود الجمهوريون الى البيت الابيض باستراتيجية جديدة تسمح بتعديل ميزان القوى في المنطقة، ولذلك فان الرياض لا ترغب في التنازل عما تعتبره «ورقة مقايضة» قد تساعدها في تعزيز موقفها عندما يحين وقت التفاوض على بقية الملفات.

في هذا الوقت تبدو السعودية مهتمة بالوصول الى مقاربة جديدة للتعامل مع المستنقع اليمني، ولا ترى في الملف اللبناني اولوية، بعد ان اكتشفت مع شركائها الخليجيين ان طهران «نصبت» لهم «شركا» عندما استدرجتهم الى حرب برية واسعة النطاق، انصار الله والجيش اليمني تراجعوا الى المناطق «المفيدة» في اليمن وبدأت الاسلحة النوعية والمتطورة في تغيير قواعد «اللعبة»، والنتيجة تكبد القوات «الغازية» خسائر فادحة، ايران في هذا الوقت ترفض اي مقايضة بين الملفات وتصر على معالجة كل ازمة على حدة، في المقابل الاجوبة الاميركية لم تخرج عن سياسة الابتزاز المعتادة من خلال المزيد من الوعود بتزويد الرياض وحلفائها بترسانة ضخمة وحديثة من الاسلحة. اما الملك سلمان فلم يسمع من اوباما اي تطمينات امنية واقليمية جديدة مغايرة لتلك التي حملها وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى الرياض وباقي العواصم الخليجية، ترميم العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض، متاح لكن بشروط جديدة تتماشى مع التحديات والمعطيات الجديدة في الاقليم، طهران اضحت امرا واقعا لا يمكن تجاوزه، واشنطن تواصل ابتزازها المفضوح ازاء حلفائها من خلال تقديم طهران كبديل يمكن التفاهم معه على اولويات تهم الادارة الاميركية وفي مقدمتها مكافحة التهديد الارهابي في المنطقة والممتد في جذوره الى داخل السعودية، وبعض دول الخليج، وفي هذا السياق اعاد اوباما تكرار كلامه امام الملك السعودي بان التهديد الحقيقي الذي تواجهه السعودية ودول الخليج انما هو تهديد داخلي ولا يأتي من ايران. مشهد مربك يزيد من حذر المملكة ويجعل من «الحكيم» عنوانا للتعطيل غير «المؤذي» وغير المجدي ايضا.

طبعا زيارة قطر لن تغيّر موقف «الحكيم»، هي في سياق تنويع «مصادر العيش»، فقطر والرياض مختلفتان على «الاخوان». ومتوافقتان في سوريا ولبنان.