IMLebanon

هكذا يكون لبنان دولة فديراليّة

المشكلة ان مساحة لبنان لا تتعدى الـ 10452 كيلومترا مربعاً، مع ان مساحة هيفاء وهبي وحدها تناهز هذا الرقم. استاذنا (في زحلة) سعيد عقل كان يحتسب جغرافيا لبنان، وتاريخه، بالسنوات الضوئية، وكاد يقول لنا اننا لو تأملنا في عباءة الله لوجدنا عليها عبارة «صنع في لبنان».

هذا هو السبب الوحيد لاستحالة تقسيم لبنان او الانتقال الى الفديرالية او الكونفديرالية. ولكن هل باستطاعة الجمهورية ان تبقى كما هي، بالصيغة الملتبسة، وبالدستور الملتبس، وحيث كل طائفة او كل فئة تستظل قوة اقليمية او دولية، وان كان يفترض بنا، وفي هذه اللحظة، إن اعجبتنا سياسات وليد جنبلاط ام لم تعجبنا، ان نقف معه في محنته، وهي محنتنا جميعا، حين تعلن اسرائيل نفسها حامية لدروز سوريا، وغدا لدروز لبنان…

كما لو ان دروز الجولان، بقاماتهم الشاهقة، لا يختزلون ما تبقى لدينا من كبرياء، ومن اباء، ومن نقاء، ومن اصرار على وضع الصراع في سياقه الحقيقي دون الانزلاق الى ثقافة القبائل كما ثقافة المذاهب.

مضحكة جدا ومبكية جدا تلك الكوميديا (التراجيديا) اللبنانية، وحيث الشخصيات الدونكيشوتية (المكيافيلية اذا شئتم) التي تملأ الليل والنهار بالكلام الذي على طريقة مقامات بديع الزمان الهمذاني او باسلوب قرارات وتوصيات القمم العربية الغراء…

ثمة ازمة بنيوية. هذا ليس الوقت الملائم لطرح المسائل الحساسة. الآن نجلس القرفصاء في الثلاجة، الثلاجة المثقوبة، بانتظار ما سيحل بسوريا وباليمن، وبسائر الدول التي بينهما. ماذا حين يقول ديفيد بولوك بصفاقة انه لن تبقى هناك دولة في الشرق الاوسط باستثناء اسرائيل بعد «ليلة السواطير» التي، في نظره، «ليلة النهايات»؟

الانكليز اكثر براعة من الفرنسيين في صناعة الدول المفخخة. لعلكم قرأتم انه بعدما اعلن الجنرال هنري غورو قيام دولة لبنان الكبير، وكان ذلك بايعاز من جورج كليمنصو، احتار امام هذه الدولة المركبة، فاقترح ان تتحد مع الولايات السورية التي ابتدعها الفرنسيون آنذاك، وهو ما اثار غضب البطريرك الياس الحويك الذي هدده، وجها لوجه، بالثورة عليه وعلى الانتداب الفرنسي.

الانكليز الذين يقولون «حتى ان الاتحاد السوفياتي بكل جبروته لم يتمكن من البقاء مائة عام»، يلاحظون ان الاتحاد اللبناني يحتفل بعد خمس سنوات بانقضاء قرن على ظهوره، حتى ان السفير البريطاني توم فليتشر يقول لاصحابه اذا ما انتهى لبنان انتهى الشرق الاوسط…

هذا لا يعني ان سفير صاحبة الجلالة ليس خائفا من الحرائق التي كما لو انها الحرائق الابدية في المنطقة التي سقطت في جاذبية الغيب قبل ان تسقط في جاذبية الغيبوبة، وهو يبدي ذهوله حيال اللامبالاة اللبنانية التي يظهرها اهل البلد الذين كما لو انهم يعيشون في لاس فيغاس لا على قاب قوسين او ادنى من جهنم…

من يقرأ التعليقات الانكليزية، وهي قليلة، حول لبنان، او من يناقش الوضع الاقليمي، واحتمالاته، مع روبرت فيسك او ديفيد هيرست، يلاحظ تلك السوداوية في الرؤية. كيف للسنّة والشيعة ان يتعايشوا، وقد ايقظ الفريقان كل عظام الموتى وراحا يتقاتلان بها. الحل الانكليزي هو تكثيف الوجود المسيحي في لبنان.

الدولة الاندماجية لم تعد ممكنة لا في سوريا ولا في العراق، لا بل ان ناعوم تشومسكي يتساءل بدهشة ما اذا كان التعايش بين اليهود والعرب في دولة واحدة (الدولتان مهزلة ديبلوماسية) اكثر واقعية من التعايش بين السنّة والشيعة في دولة واحدة. قد يكون هذا ممكنا عبر كانتونات يتم تجميعها في دولة مركبة.

مرة اخرى، المشكلة في المساحة في لبنان، حتى وان قال البعض ان المساحة هنا عمودية (اي نوعية) وليست افقية (اي كمية)، بالرغم من ان مقاربتنا لقضيتنا، والمدى الذي يمكن ان نبلغه بتبعيتنا المالية والعقائدية، يجعلاننا اقرب ما نكون الى المرتزقة.

لسنا، في اي حال، بالرغم من كل برامجنا الفنية التي تثير الغثيان مثلما تثير الهلع، افضل حالا من كل المظاهر اللابشرية التي تحيط بنا…

الانكليز الذين كانوا خبراء في اختراع الدول (لا تنسوا دورهم في اختراع اسرائيل) يعتبرون ان الحل في توسيع مساحة لبنان الذي اذا كان هنري كيسنجر رأى فيه الفائض الجغرافي، فإن السناتور جون ماكين يرى في سوريا الآن الفائض الجغرافي الذي يمكن استعماله في تسوية ازمات المنطقة.

ما قولكم بالحاق وادي النصارى بلبنان (لا ترفعوا صوتكم حتى لا يسمع البطريرك الحويك). تتسع مساحة لبنان، وتتسع مساحة المسيحيين، وتقل مساحة الموارنة، وتقوم منطقة عازلة بين السنّة والشيعة…

اذا كنتم تبحثون حقا عن حل. حل فديرالي بطبيعة الحال!!