IMLebanon

لكي تسقط الأقنعة الخادعة

تلكؤ مجلس الأمن الدولي في القيام بالتحرك السريع المناسب، وفي اتخاذ القرار الحازم الحاسم لإنقاذ الشعب السوري من الإبادة، وتنصل الولايات المتحدة الأميركية من مسؤولياتها كقوة كبرى تجاه الأزمة السورية المتفاقمة التي تهدد الأمن والسلم، ليس في الإقليم فحسب، بل في العالم بأسره، وعجز الاتحاد الأوروبي عن القيام بدور مؤثر يساهم في إنقاذ الشعب السوري من القتل والتهجير، كل ذلك أفسح المجال لروسيا لتتصرف وكأنها تنفرد بزعامة العالم وفرض الأمر الواقع على المجتمع الدولي.

ويبدو أن الضمير العالمي يغط في نوم عميق غير مبال بالمأساة الإنسانية المروعة التي تجرى على الأراضي السورية، حيث يتم قتل المواطنين السوريين بوحشية متناهية، وتدمر مدنهم، ويُهجّر الملايين منهم إلى خارج بلادهم معرّضين للجوع والخوف والإذلال وسوء المصير.

فقد بلغ القصف الروسي الجنوني المتواصل ليل نهار للمدن السورية الدرجة القصوى، مسانداً لقوات نظام طائفي مجرم وميليشيات تابعة لإيران تعيث في سورية فساداً وإجراماً. وعرف الرئيس الروسي بوتين المعتد بقدراته والمزهو بنفسه، كيف يستغل حالة النفاق والارتباك والتذبذب التي تسود السياسة الدولية خلال هذه المرحلة، ونجح في استدراج الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى لعبة الخداع التي يمارسها، ليصبح شريكاً له في الجرائم التي يرتكبها ضد الشعب السوري، وإن اختلفت طبيعة هذه المشاركة لدى الأطراف المختلفة. وها هي روسيا اليوم تعيد عهود الاستعمار والاحتلال والبطش بالشعوب وقمعها وكسر إراداتها، وتشن حرباً مكشوفة على العالم أجمع، لأنها تتحدى القوانين الدولية، وتتحدى المجتمع الدولي برمته، ولا تلقي بالاً لأي اعتبار قانوني أو إنساني أو أخلاقي.

إن العجز المطلق عن التدخل الحازم لوقف القصف الجوي الروسي المتواصل وجرائم الحرب التي ترتكبها روسيا ونظام الأسد الطائفي وإيران وميليشياتها المختلفة في سورية، يقوم دليلاً واضحاً على تورط القوى الكبرى في الحرب المشهرة، ليس ضد سورية فحسب، وإنما ضد دول العالم الإسلامي كافة، بطريقة ضمنية، لأن الشعب السوري جزء لا يتجزأ من الأمة العربية الإسلامية، وما يصيبه من آلام يصيب العرب والمسلمين جميعاً، فسورية من الدول المؤسّسة لجامعة الدول العربية، ولمنظمة التعاون الإسلامي، وللأمم المتحدة، ومن واجب المجتمع الدولي إعمال البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة لوقف هذه المجازر البشعة التي يتعرض لها الشعب السوري، فقد أوشك الرئيس الروسي بوتين أن يمحو سورية من الخريطة، وأن يمهد لقيام دويلات هجينة فوق أراضيها، تنفيذاً لجزء من مخطط تمزيق العالم العربي الذي يخدم مصالح إسرائيل وإيران في المقام الأول، ومصالح المستعمرين الجدد.

إن المواجهة المباشرة مع الإرهاب في كل أشكاله على الأرض السورية، هي الوسيلة التي لا وسيلة أخرى غيرها، للقضاء عليه. ولذلك فإن من شأن قيام التحالف الدولي بتكثيف القصف الجوي والدخول في المواجهة البرّية، أن يغيّر موازين القوى في المعركة، وأن يتحكّم في الصراع الدائر في المنطقة برمتها. فالحسابات التي يعتمدها بوتين في إطالة أمد السياسة التدميرية التي ينفذها في سورية، تلغي احتمال المواجهة المباشرة والمشاركة البرية في التحالف الدولي، لأنه في تلك الحالة سيسقط كثير من الأقنعة الخادعة، وستتضح الحقائق الخاضعة اليوم للتعتيم الشديد، وستتمهد الطريق إلى إنقاذ الشعب السوري والقضاء على الأخطار التي تهدد الأمن والسلم في المنطقة. وذلك كله لا يخدم مصالح روسيا ولا إيران ولا إسرائيل من قريب أو بعيد. لذا نجدهم يعملون من أجل بقاء الحال على ما هي عليه، حتى لا تقوم للعرب قائمة، ويظلوا محاصرين بالإرهاب ومهددين به.

من هنا نعلم صواب القرار الذي أعلنت المملكة العربية السعودية اتخاذه، وأكدته عدة مرات، وصرحت بأنه قرار حاسم وحازم ولا رجعة فيه. فلقد حان وقت المواجهة المكشوفة مع الإرهاب الحقيقي بكل أشكاله لضربه في معقله ولاقتلاع شروره من جذورها، وحتى يتحمل كلُّ طرف مسؤوليته، وتسقط الأقنعة عن الوجوه الخادعة التي مارست الكذب والنفاق زمناً طويلاً، ويتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في السياسة الدولية، ويعرف العالم أجمع مَن يقف مع القانون الدولي ومع ميثاق الأمم المتحدة، ومن ينتهك هذا القانون ويتنكر لذلك الميثاق، ويقف موقف المساند للعدوان وللإجرام، أو موقف اللامبالاة وغض الطرف ونفض اليد والنأي بالنفس.

لقد حان وقت المكاشفة والمصارحة والشفافية، والعمل الفوري لحماية مصالح العالم الإسلامي وأمنه واستقراره، وبات من المستحيل الاستمرار في خداع الشعوب واستغلالها وانتهاك حقوقها. ولذلك فإن القرار الحكيم الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية وساندته دول العالم الإسلامي، من شأنه أن يعدّل موازين القوى، ويرد الحق إلى نصابه، ويساهم بفاعلية في إطار التحالف الدولي، في إنقاذ الشعب السوري والقضاء على مصادر الإرهاب من جذورها.