IMLebanon

إلى أن يكون للبنان… رئيس

الأيام الباقية حتى موعد إخراج المحتمل عن اسم رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، باتت معدودة، وآخر الشهر الجاري لناظره قريب. لكن المسيرة صوب ذلك اليوم تبدو مثقلة بالتكهنات والتوقعات، وهذا أمر لا يجافي طبيعة الحدث، لكن ما يبدو خارجاً عن السياق، هو الكلام الافتراضي الكثير الذي يفترض الحيرة لدى فريق الثامن من آذار، وفي طليعته «حزب الله»، أو الكلام الافتراضي الآخر، الذي يجعل من مبادرة سعد الحريري مادة تضحية وطنية خالصة من جهة، أو يجعلها عنواناً خاطئاً ما زال ممكناً تفاديه من جهة أخرى. على هذا الطريق، طريق «المفاجآت» حتى موعد 31 تشرين الأول (أكتوبر)، من الضروري إسقاط فرضيات الحيرة والارتباك، ومن الضروري أيضاً تسمية مبادرة سعد الحريري باسمها، فما في حوزة الوقائع المادية الكثير من الملموسات التي لا تحتمل الظن أو الاحتمال المرتبك، وإن كانت مفتوحة على الاجتهادات السياسية التي تذهب إلى رصد الاتجاهات الوازنة والمرجحة، في السياق الرئاسي الحالي، أكثر مما تذهب إلى معاندته أو التشكيك في حقيقته وملاحظة بطلانه.

فوز خيار فريق الثامن من آذار واضح بجلاء، ولا ضرورة للقول إن دعم ترشيح ميشال عون للوصول إلى بعبدا يشوبه «لعل وكيف ولكن…». وضوح الكسب من جانب هذا الفريق السياسي اللبناني سهل المعاينة إذا ما استعيدت وقائع ويوميات التشدد التي وردت على ألسنة مسؤولي «حزب الله»، وفي طليعتهم أمينه العام، نصر الله، فلقد كان معروفاً أن دعم خيار ميشال عون رئيساً قارب شعار «هو أو لا أحد»… وقد أتت مبادرة سعد الحريري الأخيرة لتؤكد ذلك. على هذا الوجه كانت المبادرة استجابة متأخرة لمفاعيل الضغط الآذاري الآخر، هذا إذا أردنا تخفيف وطأة وصف الواقعة، وكانت من وجه آخر نزولاً عند رغبة الطالبين الذين تصلبوا وتمترسوا خلف اسم مرشحهم الرئاسي، إذا شئنا وصف الواقعة بما هي عليه فعلاً.

تصلب «حزب الله» ومن معه لم يأتِ من فراغ واقعي، ولم يستمد مادته من الغلبة الكلامية البلاغية البيانية والتبيينية، بل إن ذلك التصلب استند إلى كل التبدلات التي حصلت في موازين القوى اللبنانية الداخلية، وإلى مجريات الصراع في سورية وفي سواها من البلدان العربية. كخلاصة، يمكن القول إن «القبول» بشخصية ميشال عون من جانب خصومه كان الترجمة اللبنانية الأولى لاختلال الميزانين الإقليمي والداخلي في مصلحة «حزب الله» أولاً، وسائر الفريق الذي يؤازره استطراداً. ربما كانت الترجمة ثمرة مرّة، لكن وجد من يعنيه الأمر من اللبنانيين أن عليه قبول تناولها والصبر على مذاقها.

أول المعنيين بإضافة الثمرة «المنكرة» تلك إلى سلته، كان سعد الحريري، بما يمثله على رأس فريق لبناني ذي طابع مذهبي معين، يناوئه ويخاصمه حزب سياسي ذو طابع مذهبي آخر، مواجهة غير مستورة بين مذهبيتين سياسيتين على امتداد الإقليم، وانعكاسات متوالية لهذه المواجهة على كل بلد من بلدانه.

لقد كان الحريري عشية إعلان دعمه مفرداً، أي أنه عارف بمعطيات اللحظة التي شاركت في تكوين قراره. فهو أمام صد داخلي لا قبل له بقلب توازناته، وهو أمام اختلال إقليمي لا يد له في صناعته، وهو أمام مشهد دولي غير راعٍ تماماً للبيئة العربية التي ينتمي إليها، بل إن الميدان أظهر رعاية لنفوذ الخصوم الخارجيين الذين يرعون الخصم السياسي الداخلي للحريري ولفريقه السياسي عموماً. عليه، كانت الكلمة الحريرية منسجمة مع السياق السياسي الذي جعلها ممكنة في سطور، ومسموحة على اللسان.

ترتب على ذلك كل خلط الأوراق الذي يتابعه اللبنانيون سماعاً وقراءة، لكن الخلط كله لا يحجب رؤية اشتعال الصراع على الحصص والمواقع والنفوذ. عملاً بتراتبية مذهبية حالية، تحتل الشيعية السياسية المركز الأول في صناعة القرار الداخلي وفي السماح بوجوده، وفي إعطاء الإذن بتسويقه. وتنزل السنية السياسية موقعاً تنفيذياً ثانياً، لكنها بصدد خسارة الكثير من نفوذه بناءً على ما تمّت الإشارة إليه من اختلال الموازين، أما المسيحية السياسية، وفي طليعتها المارونية، فإنها تفاقم موقع تبعيتها الذي حلت فيه منذ اتفاق الطائف، بحيث بات موقعها الأول رهن التسمية من جانب الشيعية، ورهن القبول من جانب السنية، ورهن السماح بالسير سيراً رئاسياً سلساً من جانب الإسلام السياسي مجتمعاً حيناً، أو مختلفاً أحياناً أخرى. بناءً عليه إلى أي محطة يسير اللبنانيون؟ لا إمكان للجزم بجواب، لذلك فإن اسم الرئيس، أو انتخابه سيظل خطوة على درب المخاض الداخلي الطويل، وهو مخاض عسير وفق كل ما هو معلوم من شؤون سياسية، داخلية وخارجية.