IMLebanon

إلى قادة الموارنة: توبوا فقد اقترب قانون الإنتخاب!

في التجربة مع موقع الرئاسة الأولى، هناك خيبة مسيحية لا يمكن لأحد إخفاؤها. فالانطباع بأنّ المسيحيين فَقَدوا المبادرة على مستوى الشراكة الوطنية يتكرَّس واقعاً. ولكن، بعيداً عن «النقّ» والشكوى التي لا تفيد بشيء، هل هناك فرصة أمام المسيحيين لإصلاح الخلل؟

يعتقد كثيرون أنّ هدوء العماد ميشال عون «الاضطراري» لن يوصله إلى أيّ مكان. وهذا لا يعني أنّ تصعيده، لو حصل، كان سيتكفّل بإيصاله. وعلى رغم أنّ عون «يتجنّب المشاكل» هذه الأيام، لعلّ هذا السلوك يوصله إلى قصر بعبدا، فليست هناك مراهنة على خرقٍ في الملف الرئاسي في جلسة 31 تشرين الجاري.

وهكذا، سينقل عون تصعيده إلى تشرين الثاني، لعلّ وعسى. لكنه في أيّ حال، سيكون مربكاً لأنه لن يستطيع تحديد الجهة التي سيصعِّد في وجهها، بعدما ثَبُتَ له أنّ حلفاءه لا خصومه السياسيين هم الذين يقفون في طريقه.

في السابق، عندما كان يفشل عون، كانت القوى السياسية المسيحية الأخرى تشمت به أو على الأقل تتفرَّج. أما اليوم، فقد أدركت هذه القوى أنّ ضعف عون هو ترجمة لضعف المسيحيين عموماً. وما يفشل عون في تحقيقه، يفشل الآخرون أيضاً.

وعجز عون لا ينسحب فقط على الملف الرئاسي، بل أيضاً على مجمل الملفات الساخنة، ومنها قانون الانتخاب الذي يتحرّك أيضاً، وفي شكل سريع، خلافاً للاتجاه الذي يريده المسيحيون. وعلى الأرجح، ستشهد المرحلة المقبلة تسخيناً سياسياً وتجاذباً عنيفاً في ملف الانتخابات النيابية، في موازاة التجاذب في الملف الرئاسي.

ويُصرّ عون و«القوات اللبنانية» على أن يكون قانون الانتخاب على رأس جدول أعمال أيّ جلسة تشريعية في العقد المقبل. ولكن، ليس هناك ما يوحي بإمكان حصول ذلك. فالخلاف المستمر حول القانون منذ سنوات، والذي أوصل في 2008 إلى تعويم قانون 1960، لا يتيح إنتاج قانون جديد.

فـ«الأرثوذكسي» مرفوض، والنسبية الكاملة مرفوضة في المقابل، أما المشاريع المختلطة بين الأكثري والنسبي فهي الأقرب إلى التوافق، لكن شياطين التفاصيل ربما تكون متروكة قصداً لتعطيلها جميعاً والبقاء عند قانون الـ60 أو التمديد مجدداً.

ففي ذروة الأزمة الرئاسية، خرج ملف الانتخابات النيابية إلى الواجهة تحت وطأة عامل الوقت، لأن المسافة الفاصلة عن انتهاء ولاية المجلس الحالي، الممدّد له مرتين، باتت دون الـ8 أشهر. وإذا لم يتم إقرار قانون انتخابات جديد في العقد التشريعي التي يُفترض أن ينطلق بعد أيام، فالاستحقاق النيابي سيكون في خطر، مرة أخرى.

وعلى رغم أن اللجنة النيابية المختصة قد عقدت حتى الآن 17 جلسة، فلا يبدو أن هناك مشروعاً سيُرفَع إلى الهيئة العامة، ما يعني أن الملف الانتخابي ذاهب إما إلى طريق مسدود، ما يُحتّم إما التمديد وإما السير بقانون الـ60.

وستكتشف القوى المسيحية أنها تخوض معركتين موزّعتين بين رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية، وأنها عاجزة عن تحقيق الأهداف في كلا الملفين اللذين سيشهدان تداخلاً، بحيث يصعب عقد تسوية في أي منهما منفرداً.

ويقول مرجع مسيحي: في المرحلة المقبلة، ستُطرَح على المسيحيين مقايضة بين الملفين، فإما أن يتنازل عون عن تمسّكه وشروطه للرئاسة وإما أن يتنازل في قانون الانتخاب. ولذلك، جاء رفض بكركي العنيف لمبدأ السلّة بما تعنيه من احتمالات التنازل عن قانون الانتخاب من أجل الرئاسة. وثمة قوى مسيحية تخشى أن يكون عون مستعداً لمقايضة الرئاسة وقانون الانتخاب.

ويعتقد المرجع أن طرح بعض القوى معادلة من هذا النوع سيثير إشكالاً داخل الصف المسيحي، وحتى بين حلفاء اليوم، كالعماد عون والدكتور سمير جعجع، لأن «القوات اللبنانية» التي تعلن تبني ترشيح عون قد لا تجد أن من المناسب إجراء مقايضة حول قانون الانتخاب.

وفي اعتقاد المرجع أن «الحلف الرباعي» الذي على أساسه قامت «دولة العام 2005»، هو اليوم على استعداد لتكرار الصفقة وإدارة البلد حتى ظهور ملامح التسويات في الشرق الأوسط. وبذلك، لن يكون للقوى المسيحية ما تطالب به اليوم، لا على صعيد انتخاب أحد الأقطاب رئيساً للجمهورية ولا لجهة إجراء انتخابات نيابية بقانون يمثّل المسيحيين في شكل عادل.

وهذا الحلف السنّي- الشيعي، بوساطة النائب وليد جنبلاط، لا يريد التخلي عن المكتسبات التي حققها في «الفترة السورية»، ولاسيما لجهة السيطرة على نسبة 60 في المئة من النواب المسيحيين، يركبون البوسطات والمحادل التي يقودها زعماء «الرباعي»، وقانون 1960 صالح لتحقيق هذا الهدف.

هل يدرك قادة الموارنة أن الضغط الآتي عليهم في الأشهر المقبلة، حتى ربيع 2017، أكبر من الضغط الذي يتعرضون له اليوم، لأنه مدروس لإرباكهم، بين انتخابات رئاسية مستحيلة وانتخابات نيابية مشروطة؟

في الساعات الأخيرة، برزت إشارتان مارونيتان جدّيتان، لا على مستوى القوى السياسية المارونية بل على مستوى بكركي والرابطة المارونية. وكان لافتاً ما تضمنه بيان المطارنة الموارنة: المطلوب قانون انتخابات «يفسح في المجال لقوى جديدة وروح جديدة تصل إلى المجلس النيابي، فلا يكون مفصَّلاً بإحكام ليعيد إنتاج ما هو قائم». وهذه رسالة واضحة إلى مَن يعنيهم الأمر في السلطة.

أما الرابطة المارونية فذهبت إلى العملي، أي إلى طرح قانون انتخاب تعتبره الأفضل واقعياً. فهي أوضحت أنّ مشروع One Person One Vote هو الأفضل تمثيلاً، ولكنها ارتأت توسيع أفق الميثاقية، التي رعاها «اتفاق الطائف»، بإعتماد مشروع Limited Vote، بعد تصحيح الخلل الحاصل في توزيع المقاعد بنقل ثلاثة منها من دوائر انتخابية (واحد في طرابلس واثنان في بيروت الثالثة)، إلى دوائر انتخابية أخرى.

ويعتمد المشروع توزيع الدوائر الإنتخابية الحالية، ويحتفظ بـ»الكوتا» المحدّدة لكلّ دائرة بعدد المقاعد وبتوزيعها الطائفي. وهو تالياً يراعي الاعتدال ويحترم مضمون وثيقة «الطائف» التي قضت بإعادة النظر في التقسيم الإداري بالنسبة لقانون الانتخاب. كما يراعي تحويل الأقضية الإدارية انتخابياً إلى محافظات.

هذان الصوتان المارونيان يُشكلان حاجة في لحظة الإحراج التي تعانيها القوى السياسية المسيحية، خصوصاً أن لا مصلحة سياسية لهما. وليس للرابطة أيّ مرشح للانتخابات النيابية، كما أكد رئيسها أنطوان قليموس عند طرحه المشروع.

إذاً، قانون الانتخاب سيكون في الأشهر المقبلة قنبلة موقوتة، فيما قادة الموارنة يبحثون عبثاً عن سبيل إلى بلوغ واحد منهم قصر بعبدا. وتستعيد بكركي تجاربها المريرة لإيصال واحد من «الأقطاب» إلى الرئاسة. لكن، الأجدى أن يرتفع صوتها في البرّية: توبوا فقد اقترب قانون الانتخاب!