IMLebanon

للسوري حق… وللّبناني حقوق!

مع التفجيرات الانتحارية الإرهابية التي حصلت في بلدة القاع البقاعية أمس الأول، تفجّرت الأفكار والمكنونات والغرائز في قاع عقول الجميع. من هذا القاع فاضت النظريات والتعليقات والفلسفات. وما من فضاءٍ أوسع لـ«إسماع الرأي» أكثر من مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً لمن لديهم العدد الكبير من المتابعين، من سياسيين، فنانين، صحافيين، وغيرهم. وفي الوقت الذي يلاحق فيه الجيش وأبناء القاع المشتبه بأنهم انتحاريون، احتدمت المعركة على الساحة الافتراضية بين من يطالب بطردٍ شامل للاجئين السوريين وبين من في ظلّ سيل الدماء يرفض أي إجراء بحقهم تحت عنوان «حقوق الانسان». وما بين الاثنين من يؤكّد على حقوق اللاجئ السوري، إنما يريد حقّه، حق اللبناني!

أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، من دون احتساب عدد السوريين المقيمين في لبنان من عمّال وغيرهم، آلاف المخيمات، آلاف الولادات (على حساب وزارة الصحة اللبنانية)، مزاحمة اليد العاملة السورية للبنانيين في قطاعات العمل، مئات الجمعيات والمنظمات اللبنانية والأجنبية التي تقدّم المساعدات الاجتماعية، الصحية، الغذائية، النفسية وغيرها للاجئين السوريين، عدا عن المساعدات المباشرة من الأهالي. ويُعتبر اللبناني عنصرياً؟!

عنصرية أو وطنية؟!

8 انتحاريين فجّروا أنفسهم في القاع بين فجر الاثنين ومسائه موقعين شهداء وجرحى، ما كان يستدعي إعلان حال طوارئ أو على الأقل دعوة الحكومة إلى اجتماعٍ أمني أو غيرها من التدابير.

لم يحصل ذلك، وتمّ الاكتفاء باتخاذ إجراءات من قبل الجيش كما من قبل السلطات المحلية من محافظ وبلدية، منها اصدار محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر قراراً بعد التفجيرات الليلية يمنع بموجبه تجوّل السوريين في منطقة القاع ورأس بعلبك.

على هذا القرار برزت تعليقات عدّة، البعض استنكر القرار مطالباً بعدم الاكتفاء به، واقتحام المخيمات وطرد جميع السوريين أو على الأقل الرجال منهم، إذ انّ المخيمات تشكّل بيئة حاضنة للإرهابيين، خصوصاً أنّ المعلومات التي وردت بعد التفجيرات أشارت إلى أنّ الانتحاريين أتوا من مشاريع القاع حيث يتواجد عشرات الآلاف في مخيمات اللاجئين.

والبعض الآخر استنكر أيضاً قرار المحافظ إنما لسببٍ آخر. إستنكر القرار لأنه يمسّ بحقوق الانسان السوري، على اعتبار أنه لا يجب ظلم جميع اللاجئين إن كانت جنسية الانتحاريين سورية أو لفرضية أنهم سكنوا أحد المخيمات.

الاستنكاران مخطئان، وقرار المحافظ هو الصحيح. مع الإشارة إلى أنه لم يتخذ هذا القرار بعد التفجيرات في الصباح، بل بعد التفجيرات في الليل، قرابة الحادية عشرة ليلاً.

هذا المنع ليس قراراً عنصرياً أو ينتهك حقوق الانسان، بل يحافظ على حقوق الانسان اللبناني، حقه على دولته وإداراتها بتأمين الأمن له ولأولاده، بالمحافظة على حياته وسلامته!

«البوستات ببلاش»

لو أنّ المخيمات شرعية بأكملها، ولو أنّ الحكومة اللبنانية نظّمت تواجد اللاجئين وانتشارهم، ولو أنّ هناك إحصاء دقيقاً لجميع اللاجئين، ولو كان وجودهم شرعياً وتملك الحكومة أسماءهم جميعاً… لقلنا إنّ أي قرار تجاههم هو غير إنساني وغير مقبول.

ولكننا نتكلّم عن أكثر من مليون ونصف شخص، (إن لم يكن العدد أكبر) غير مضبوط وجودهم بشكلٍ قانوني تنظيمي واضح. نتكلّم عن مخيمات ربما السلطات لا تعلم بها وبتواجدها. نتكلّم عن دخول عدد كبير من الأشخاص بطرق غير شرعية. نتكلّم عن معابر غير شرعية، عن حدودٍ لا مُحدّدة ولا مُرسّمة. وفي هذه الحال، أمن اللبناني فوق كلّ اعتبار، الأمن الوطني فوق كلّ اعتبار.

أهمية قرار المحافظ تكمن في حماية اللاجئ السوري من أي انفجار أو حادثٍ أمني ممكن أن يحصل، فأهل القاع طُلِب منهم أيضاً التزام منازلهم. كما يساهم هذا القرار بحصر عدد المارّة والمتجولين على الطرقات، ما يُسهِّل من عمل الجيش والقوى الأمنية الأخرى.

خطورة التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي على هذا القرار، كما على التفجيرات، تكمن في أنها تأتي من أشخاص يؤثر رأيهم في الناس، لذلك يجب تحكيم الضمير الانساني والوطني في آن قبل رَمي أي كلمة على تويتر أو فايسبوك. صحيحٌ أنّ «البوستات ببلاش وبتجيب كتير لايكات»، ولكنها تجلب الويلات أيضاً، وبإمكانها نقل المعركة من الساحة الافتراضية إلى الساحة الواقعية.

وعوض انتقاد قرارات كلّ سلطة رسمية ما زالت فاعلة وتملك صلاحيات، يجب الالتفاف حولها، والالتزام بقراراتها.

عسى أن تضخّ دماء الشهداء الوعي في شرايين كلّ مسؤول (كلّنا مسؤولون)، لاتخاذ التدابير اللازمة بتنظيم تواجد اللاجئين بشكلٍ لا ينتقِص من حقوق الانسان لا السوري ولا اللبناني. وإلى حين تحقيق ذلك، «خرطوش سلاحك ولسانك ع فايسبوك وانستاغرام يا أبضَاي» لا يقتل ولا ينقذ أحداً.

وغانديتك المُفرطة أيها «الانساني» في وقتٍ يُستشهد فيه أبناء وطنك، لا تسدّ جوع طفل لاجئ. أجدى بك أن «تُناوله» ألف ليرة لبنانية بدل انزعاجك منه والصراخ عليه خلال احتسائك فنجان قهوة «تنظير زيادة» في أحد مقاهي شارع الحمرا.