IMLebanon

«ترويكا أقوياء»

بات في شبه المؤكد أنه سيكون للبنان رئيس للجمهورية الاثنين المقبل، بعد شغور رئاسي قاربت مدته السنتين ونصف سنة، وهي أطول مدة في تاريخ لبنان يبقى فيها القصر الجمهوري من دون سيد، لدرجة نبت فيها العشب على طريقه.

ولا شك بأن التسوية السياسية التي ستعيد العماد ميشال عون الى قصر بعبدا بعد ستة وعشرين عاما، جاءت في سياق اتفاق الطائف الذي منح الطوائف الأساسية الثلاث في البلد سلطة إنجاب التسويات، كشرط للاستقرار والحؤول دون عودة الحرب. لكن التسوية الحالية تختلف عن سابقاتها من حيث شعور واحدة من هذه الطوائف بأن مرجعها هذه المرة كان من صنع أيديها. وعليه يشعر الجميع، للمرة الأولى، أنها تسوية من دون خاسر.

فالموارنة الذين اختير رئيسهم ثلاث مرات خارج الحدود منذ العام 1989، فرضوا مرشحهم القوي بصناعة محلية، برغم تفرق شملهم، ودفعوا الآخرين للقبول به، إما طائعين أو مرغمين، وهو ليس قويا بشخصه فقط، بل بتمثيله النيابي والشعبي الذي يقر الجميع أنه الأكبر وزنا.

أما السنّة، فمهما قيل في تنازل الرئيس سعد الحريري، فإن ذلك في حسابات الربح والخسارة، لا يوازي الضمانة التي حفظت اتفاق الطائف في الحدود التي توقف عندها. فرئيس حكومة الطائف يمتلك من الصلاحيات ما يحمله على الشعور بأنه الحاكم الفعلي للبلد.

الشيعة من جهتهم لم يخسروا المعركة، وإن اختلفوا على تسمية الرئيس الماروني. بالنسبة اليهم، لديهم مرجعيتان قويتان في السلطة وخارجها: الأولى، لا منافس لها في موقعها، والثانية، شعارها «ولّى زمن الهزائم». وبرغم الخلاف في وجهات النظر حول شخص الرئيس، أثبت الشيعة أنهم شريك أساسي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله. وما دام أحدهما أوفى بالتزاماته الرئاسية، فسوف يخوضان معركة «الجهاد الأكبر» (كما وصفها الرئيس نبيه بري) متحدين موحدين خلال المرحلة المقبلة، وواهم من يراهن على غير ذلك.

أمام هذه الخريطة السياسية، يبدو البلد في الآتي من الزمان، أمام «ترويكا أقوياء»، ومن دون خسائر أو شعور بالغلبة هذه المرة. وفي هذه المعادلة ضمان أكبر للاستقرار النسبي الذي يعيشه البلد. ويفترض ألا يلعب أحد أو يتلاعب بهذه المعادلة.

وأغلب الظن أن الحكومة العتيدة لن يطول تشكيلها هذه المرة، وإن كانت مهماتها صعبة على أبواب الانتخابات النيابية، لكنها ليست مستحيلة. فالثلث الضامن الذي كان يعرقل تشكيل الحكومات يفترض أن يكون هذه المرة في عهدة «الجنرال الرئيس»، وكلمته هي الفصل في هذا المجال. والمعادلة هنا بسيطة: لن يفرط الحزب من الآن وصاعدا بمطالب الرئيس بري، ولن يفرط الجنرال من جهته بموقف الحزب، لا داخل الحكومة ولا خارجها.

صحيح أن هموم البلد باتت أكبر من طاقة المؤسسات، لكن مجرد انتخاب الرئيس سيزيل الكثير من الحواجز التي كانت تعترض عمل المؤسسات، وعليه يفترض أن يكون الآتي أفضل مما سلف، ولا داعي للقلق، فقط لأن القلق لا يحل المشاكل.