IMLebanon

مأزق «التعطيل»  

خارطة الطريق التي أعلنتها القمة الروحية المسيحية في بكركي بالأمس للخروج من الواقع المزري القائم راهناً، والتي وضعت إنهاء الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية كأول الأولويات، عكست بدقّة ليزرية، تشخيصاً لا يمكن للبناني، أيًّا كان موقعه وهواه أن يقدم أي ملاحظة سلبية عليه، أو أن يدّعي امتلاكه رؤية أبعد مدى منه، أو أن يجادل في واقعية مضمونه، أو أن يرفضه.

مفهوم، من الآن، ان البند الأول في أجندة التعطيليين هو إحلال الفراغ في موقع الرئاسة الأولى تبعاً لمنطق أحادي لا يفهمه سوى أصحابه: إما أن يأتي رئيس «تطمئن» إليه الممانعة وإما لا رئيس. أي بمعنى آخر، بتجديد ولاية إميل لحود لكن من دون إميل لحود! ومفهوم من الآن أيضاً، ان القوى التعطيلية تشتغل في السياسة على طريقتها، ولا تهتم بالتبعات ولا بالتداعيات عليها وعلى غيرها. ومبدأها الماسي الذي لا يصدأ ولا يهترئ، هو اعتبار انها هي في ذاتها المقياس والأساس. وهي ميزان الصحّ والخطأ. ما لها كله خير، وما لغيرها كله شر!

لكن مفهوم أيضاً في المقابل، أن فرادة لبنان (خارج سردية الكبّة واللحم بعجين والتبّولة) هي في كونه عصيّاً على الأحادية والفرض والكسر، ومختبراً يومياً للتسوية في كل مراتبها، وتوليفة أكبر من طموحات ومشاريع بعض أهله بل أكبر من أي قوة خارجية تحكّمت به أو حاولت ذلك على طريقتها الأصلية.. حتى الوصاية السورية، مع كل فظاظتها وشطارتها وزبائنيتها وقدرتها العجيبة على تسويق بضاعتها في أسواق متنافرة، لم تستطع تجاهل وقائع الديموغرافيا اللبنانية بقدر استطاعتها تشويه السياسة اللبنانية! لذلك ولغيره يجوز الزعم بأن الممانعين الذين كابروا طويلاً على الحقائق لمصلحة أوهامهم الفرضية والكسرية، تيقنوا أخيراً من استحالة أسلوبهم ونهجهم، وبدأوا يحصدون سلبيات التعطيل بقدر ما استخدموا ذلك التعطيل في وجه خصومهم.

ولا ينكر إلا هاوٍ أو مراهق سياسي، ان التعطيل أوقع لبنان في مأزق خطير، لكنه أوقع أصحابه في مأزق لا يقل خطورة.. وقد تكون التحركات المطلبية الراهنة، واحدة من أكثر إشارات انقلاب ذلك المعطى على أصحابه باعتبار ان المتبرمين والمخنوقين والغاضبين الذين نزلوا بالألوف الى الشارع وضعوا الجميع في مرمى هيجانهم، ولم يوفروا أحداً. وفي ذلك، لا يصحّ الحول التشخيصي ولا المزايدات الفارغة ولا العودة الى اعتبار البلف من عدّة الشغل، والادعاء التسطيحي بأن الكارثة هي من صنع الفريق السيادي والاستقلالي الباحث عن اقتدار الدولة، وليست نتيجة أهل الدويلة والقوى التعطيلية التي خطفت الجمهورية بكل ما فيها، لخدمة ذاتياتها السياسية ومصالحها الخاصة وارتباطاتها الاقليمية.

ليتسلّ من يشاء في تفسير معنى وضع الجميع في خانة المسؤولية عن الواقع الأزماتي المرير القائم راهناً. لكن أول من يعرف معنى الانفجار الشارعي، هم أهل التعطيل قبل غيرهم وأكثر من غيرهم. وبالتالي يصحّ الزعم (مجدداً) بأن أول مدخل لتعطيل التعطيل هو في انتخاب رئيس للجمهورية ثم الشروع في تتمات هذا الاستحقاق بالعمل التنفيذي الحكومي والتشريعي النيابي. وذلك (ربما) صار ممكناً طالما أن التعطيليين أصيبوا (ولو متأخرين على عادتهم) بصدمة صيرورتهم ضحايا سلاحهم دون سواه!