IMLebanon

ترمب وإيران… زمن الإخطار الأول

فيما يوصف بأنه انعطافة جديدة في سياساته الخارجية٬ يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم يعيش زمن إعادة ضبط المسافات تجاه كثير من السياسات الأميركية٬ سواء تلك التي تركها سلفه باراك أوباما٬ أو التي وعد بها جموع الأميركيين خلال حملته الانتخابية.

في المشهد الأميركي الجديد٬ نرى وزيري الدفاع جيمس ماتيس والخارجية ريكس تيلرسون٬ وكأنهما الجناحان اللذان يحلق بهما ترمب فوق الأزمات المتراكمة في سماوات واشنطن. وقد جاءت زيارة تيلرسون لموسكو مؤخراً لتزخم حضوره ضمن الدائرة المقربة من ترمب٬ في حين بدأ الجنرال ماتيس يرسم معالم التحالفات الأميركية من جديد في الشرق الأوسط٬ عبر زيارته الأخيرة.

سردية الانعطافة السياسية الأميركية التي يحاول فيها ترمب تصحيح مساراته وضبط سياقاته٬ قبل مرور مائة يوم على وجوده في البيت الأبيض٬ تحتاج لحبر كثير يسال على الورق٬ ونختار من بين مفرداتها مراجعة أوراق واشنطن تجاه إيران والاتفاق النووي معها.

قبل أيام قليلة كان موعد الإخطار الأول الذي يتوجب على خارجية البلاد إبلاغه لمجلس النواب٬ عن مدى التزام إيران ببنود الاتفاق نصاً وروحاً.وقد اقتضى الأمر من تيلرسون مؤتمراً صحافياً٬ خلص َمن تابعه إلى أن زمن المداهنات الأميركية ­ الإيرانية التي عرفها البيت الأبيض وقت أوباما قد ولَّى٬ وأن هناك قراءة معمقة ترى إيران «تهديداً للاستقرار العالمي».

أخطر ما عرفته إدارة أوباما الثانية تحديداً٬ كان الغموض غير البناء٬ وربما البنود السرية جزءاً من المشهد٬ وهنا وجدت إدارة ترمب ذاتها تسأل الجهات المختصة كافة مراجعة الموقف برمته٬ والذي قد يحمل صفقات سرية٬ وعد ترمب خلال حملته الانتخابية أيضاَ بإماطة اللثام عنها٬ عطفاً على أن هناك تياراً عاماً يكاد يشمل مجمع الاستثمارات الأميركية يقطع بأن «الاتفاق النووي بشكله الحالي لن يوقف إيران عن امتلاك السلاح النووي».

رؤية إدارة ترمب تجاه إيران تشي بأن طهران في مأزق حقيقي٬ وأن مناورات تسويف الوقت لم تعد تنطلي على أحد في واشنطن٬ كما أن اللعب على المتناقضات بين واشنطن وموسكو لن يفيد الملالي كثيراً٬ سيما أن العالم برمته شاهد على الدور التخريبي لإيران شرقاً وغرباً٬ وهي قراءة تجمع تيلرسون الذي بدا حاسماً وحازماً في مؤتمره الأخير٬ وكذا ماتيس الذي وصف إيران منذ شهر تقريباً بأنها تتصرف كدولة مصدرة للإرهاب وترعى أنشطة المتشددين.

لم تعد أدوار إيران تُدارى أو تُوارى٬ ولا نواياها يمكن أن تخفى عن الأعين٬ وقد عدد تيلرسون بعضها٬ وفي المقدمة منها الدور التمويلي لنظام الأسد٬ عطفاً على الدعم اللوجيستي له٬ عبر تزويده بمقاتلين من الحرس الثوري.

ماتيس بدوره٬ وفي زيارته الأخيرة للرياض٬ أشار إلى نوعية الأسلحة التي يحصل عليها الحوثيون٬ والتي تهدد اليوم جيران اليمن٬ وفي مقدمتها الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى٬ والتي لا تتوافر إلا لإيران.

الأسلحة عينها توفرها طهران لـ«حزب الله» و«حماس»٬ وليس سراً ما كشفت عنه أجهزة الأمن المصرية مؤخراً من ضبط أسلحة إيرانية الصنع مع إرهابيي «أنصار بيت المقدس» في سيناء٬ من عينة البندقية القناصة «شاهر»٬ والألغام الأرضية المدون عليها باللغة الفارسية أهداف استخدامها٬ ناهيك عن المادة الخام من المادة المتفجرة RDX والمعتبرة أقوى 800 مرة من «C4 .«وهذه قصة تحتاج لقراءة أخرى٬ إنما تكشف عمق ما أشار إليه الوزير الأميركي من كون طهران نظاماً ضد الاستقرار.

كوارث إيران لا تتوقف عند هذا المشهد٬ إنما تنسحب على الصعيد الدولي٬ لتهدد من جديد الملاحة الدولية وحريتها في الخليج العربي. وحوادث التحرش بالبحرية الأميركية كثيرة٬ والانفجار حاضر في كل حادثة.

واليوم باتت طهران تتلاعب في الفضاء السيبراني٬ وقد تعرضت بعض دول الخليج لهجمات إلكترونية٬ بل إن الوزير تيلرسون أشار إلى أن بلاده تأثرت كذلك ببعض تلك الهجمات٬ ما يفيد بأن حكام طهران يسعون اليوم للعب دور «عدو البشر» في المنطقة والعالم.

السؤال الآن: «هل ستسفر تلك المراجعات عن إلغاء الاتفاقية النووية مع إيران؟».

ربما تكون المسألة على هذا النحو بعيدة بعض الشيء٬ لكن المؤكد أن هناك أدوات أخرى يمكن من خلالها توجيه رسائل قوية لإيران٬ في مقدمتها إعادة العقوبات الاقتصادية٬ والضغط على الشركاء الأوروبيين المتلهفين للعودة إلى السوق الإيرانية٬ بل إلى أبعد من ذلك٬ أي فيما يتعلق بالعلاقات الأميركية الصينية نرى تغيراً واضحاً في انعطافة ترمب السياسية الجديدة تجاه بكين٬ إذ بات ينظر إليها على أنها شريك تجاري جيد٬ ما يعني إمكانية فك الارتباط الوثيق بين طهران وبكين٬ أو خلخلته على أقل تقدير٬ فيما موسكو ­ ومهما بدا على السطح من علاقات طيبة لها مع إيران ­ يدرك القاصي والداني أنها لا يمكن أن تقبل بإيران نووية على حدودها الجنوبية٬ أو بكيان دوغمائي راديكالي يتسبب لاحقاً في إزعاجها عقائدياً ولوجيستياً٬ ما يعني أن صفقة ما بين واشنطن وموسكو يمكن أيضاً أن تحجم من طموحات إيران النووية والتقليدية في السنوات المقبلة.

زمن إعادة قراءة الأوراق الملتبسة يعني أن «فراغ القوة» الذي خلَّفه أوباما وعرفت روسيا وإيران كيفية ملئه٬ يعاد النظر إليه بنوع خاص٬ وأن على إيران أن تقلق من الأسوأ الذي لم يأ ِت بعد.