IMLebanon

ترامب.. وعالم اليوم!  

أمر جيد أن يئن العالم ويقلق ويتوجّس ويضرب أخماساً بأسداس وأسباع مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، ودخول الولايات المتحدة معه في فصل جديد وربما غير مسبوق لجهة تنامي حدة الاستقطابات وازدياد احتمالات انفجارها في الشارع الداخلي!

وأمر جيد أن يثير هذا الرئيس كل هذا الهلع من مواقفه واحتمالاتها الخارجية، طالما أنها من خارج المألوف الأميركي المعتاد، وتكاد تقارب الانقلاب في بعض نواحيها!

.. فذلك كله في جملته، ليس سوى دلالة «حاسمة» على أن هذا العالم موجود خارج السياق الذي جاء منه ترامب! والذي يليق عملياً وفعلياً بنهايات القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، وليس ببدايات الألفية الثالثة! أداؤه، أفكاره، تصريحاته، هلوساته، وقاحته، عصابيته.. وعنصريته، كان يمكن في عصر آخر، غير عصر العولمة الراهن، أن تشكل في الولايات المتحدة ومنها إلى العالم، تتمة للأيديولوجيات الخلاصية التي انفجرت بعد الثورة الصناعية الكبرى في بريطانيا وأخذت وقتاً (قليلاً) قبل أن تتخمّر في صيغ متنافرة لكنها أوصلت البشرية في خلاصاتها، إلى أكبر مذبحتين في التاريخ! لم يفصل بينهما سوى 20 عاماً ليس أكثر!

يمكن للخيال العلمي فقط تصوّر حالة العالم بأسره، لو أمكن للعبة الفيزياء الفكرية الأوروبية أن تقطع المحيط وتحط رحالها في الولايات المتحدة في الربع الأول من القرن العشرين وصولاً إلى نصفه.. لكن الفعل وردّ الفعل بقيا في حدود القارة الأوروبية، قبل أن تصل التأثيرات إلى كل مكان غير القارة الأميركية: أطلق «البلاشفة» الروس العنان لذلك المسار «الخلاصي» العنيف قبل أن تلاقيهم ردود «خلاصية» مضادة على أيدي الفاشيين في إيطاليا والنازيين في ألمانيا.. وتلك في جملتها أعادت تشكيل العالم القديم بعد أن دمّرته تماماً! وكان يمكن لذلك العدم أن يبقى سارياً لو لم تبقى الولايات المتحدة في مكانها «الفكري» الذي سمح لها بتوظيف فائض قدراتها غير المسبوقة في التاريخ، لتعديل المشهد برمته! والتدخّل وفق السياق العنيف والقسري، لرد البشرية إلى سوية الاستقرار، وإعادة الاعتبار إلى الليبرالية بكل أبوابها ومفاتيحها!

ولا يغير الفاصل الزمني بين انتهاء الحرب العالمية الثانية وانهيار «المعسكر الاشتراكي» في تسعينيات القرن الماضي من هذه الخلاصة: الولايات المتحدة هي التي شكلت عامل الحسم المركزي والأساسي، بالمواجهة المسلحة ضد الفاشيين والنازيين. وبالمواجهة الباردة والناعمة ضد الشيوعيين! ولولا ذلك لكانت هذه الدنيا في مكان آخر!

المفارقة الراهنة تكمن في أن هذا «العارض» المسمى ترامب يبدو في سياق عكسي: ينطلق من أميركا ويحاول عبور المحيط إلى القارة العجوز تحديداً! لكن حدود الابتذال لم تصل إلى أبعد من مارين لوبان في فرنسا ونايجل فراج في بريطانيا، وبعض ظواهر اليمين العنصري المريض في غيرهما. أمّا «المناخ» العام، المعولم بالاقتصاد والفكر والفن وحركة السوق والإعلام والصناعات المتقدمة والدقيقة والإعجازية، فلا يزال بألف خير.. وليست المناحة القائمة أوروبياً وأميركياً بالدرجة الأولى منذ إعلان فوز ترامب بالرئاسة سوى الدليل على ذلك.. وعلى أن عالم اليوم لم يعد يحتمل أمثال لينين وستالين وهتلر وموسوليني!

هناك «عالم» مواز مؤطر بثلاثية روسيا – إيران – كوريا الشمالية، ولكن هذا بحث آخر.. غير ذي صلة!