IMLebanon

مشروع ترامب للحلّ السوري: مع روسيا ضدّ الصين

عام 1982 وبينما كان الجيش الإسرائيلي يطبق حصاره على الشطر الغربي من بيروت تمّ التفاهم على إرسال مراقبين دوليين للإشراف على خروج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعناصرها من بيروت.

ولكنّ الخطوة التالية كانت الأهم مع نشر ما عُرف بالقوات المتعددة الجنسيات والتي كان عمادها الأساسي قوات أميركية وفرنسية، إيذاناً بأنّ لبنان دخل مرحلة جديدة ولكن وفق مشروع دولي كبير ما لبث أن فشل بعدما تقاطعت مصالح سوريا وإيران والاتحاد السوفياتي لطرد الحضور العسكري الأطلسي من لبنان. وساهمت إسرائيل بطريقة أو بأخرى في التضييق على الأميركيين في لبنان.

اليوم يُطرح مشروع مشابه ولو من بعيد في سوريا انطلاقاً من حلب. مراقبون دوليون تابعون للامم المتحدة هدفهم الإشراف على شرق حلب بعد إنجاز خطوة سحب المسلّحين.

والواضح أنّ خطوة أخرى ستلي وصول المراقبين الدوليين، ونشر معهد بروكينجز دراسة نسبها الى أوساط في فريق دونالد ترامب أدرجت النقاط الاساسية لرؤية ادارة ترامب للحلّ في سوريا.

فبعد عرضٍ وافٍ حول سياسة إدارة أوباما في سوريا والاشارة الى الفشل الذريع خصوصاً مع وصول تنظيم «داعش» الى أوج قوته، تحدّثت الدراسة عن حلول عدة مطروحة لسوريا لا تبدو قابلة للنجاح باستثناء أحدها والذي وصفته بالواقعية شرط أن يحظى هذا الحلّ بموافقة جميع الدول المجاورة لسوريا، أي تركيا والعراق والأردن ولبنان وإسرائيل. وهذا الحلّ يستند الى جعل نظام الحكم في سوريا على أساس الفدرالية لكي لا يصبح التقسيم هو الحلّ الوحيد المُتاح.

وبعدما رأت الدراسة أنّ رحيل الرئيس بشار الأسد بات خياراً غير واقعي، خصوصاً بعد حلب، أوردت اقتراحاً اعتبرته منطقياً يقضي بتولّي الأسد منطقة حكم مستقلة في ظلّ دولة ذات نظام اتحادي.

كذلك أوردت الدراسة الجزء الأهم بأن تتولّى قوات دولية حفظ السلام عمادها قوات روسية وتنتشر غرب سوريا و خصوصاً في المنطقة الممتدة من الساحل وصولاً الى العاصمة دمشق. على أن تتولّى قوات دولية أخرى عمادها تركي المنطقة الشمالية المحاذية للحدود التركية ـ السورية.

فيما تتولّى لاحقاً قوات دولية مؤلّفة من دول عربية وأوروبية وإسلامية في جنوب آسيا، مناطق شرق سوريا بعد القضاء على «داعش» في المناطق التي يسيطر عليها حالياً.

وإذ تشدّد هذه الدراسة على أنّ واشنطن لن تشارك في أيّ قوات برّية، فإنها أشارت الى دور اساسي للولايات المتحدة الأميركية من خلال التعاون مع الأمم المتحدة وتولّي زمام الإشراف والقيادة، والمساهمة بضباط متخصّصين ولمهمات استشارية محددة.

وتقاطعت هذه الدراسة مع ما قاله وليد فارس مستشار ترامب خلال لقاءٍ جمعه أخيراً مع سفراء عرب من أنّ أولويّة ترامب في الشرق الاوسط هي لسوريا والعراق. أما اليمن والشأن الاسرائيلي ـ الفلسطيني فيأتيان في مرحلة لاحقة.

وهذا ما يفسِّر نقطتين:

الاولى: إستياءٌ سعودي من إهمال الحلّ في اليمن، من خلال التلويح بوقف الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة الأميركية.

والثانية: بتعيين ديفيد فريدمان صديق ترامب سفيراً في إسرائيل وهو ما يرضي الحكومة الإسرائيلية القلقة والرافضة أيَّ تسوية سلمية مع الفلسطينيين.

وصحيح أنّ فريدمان كان تولّى بصفته محامي إفلاس قضايا عدة لترامب، لكنه فعلياً لا يملك أيّ خبرة ديبلوماسية ولديه خصومات كبيرة مع معظم النافذين في اللوبي اليهودي الأميركي بسبب مواقفه المتشدِّدة، ما يؤكد صحة الاعتقاد بأنّ الهدف من تعيينه هو إرضاء الحكومة الإسرائيلية وتبديد قلقها.

وفي اعتقاد أوساط ديبلوماسية أميركية أنّ لخطة فريق ترامب حول التسوية في سوريا حظوظاً لا بأس بها لنجاحها، خصوصاً أنّ الأطراف الإقليمية المشارِكة في الحرب السورية تعبت، وأن لا سبيل لها سوى الدخول في تسوية تحفظ لها مصالحها ولو بدرجات متفاوتة.

كذلك فإنّ ترامب يعوّل كثيراً على دور قوي لموسكو يضمن احتضان النظام السوري واستيعابه وفي الوقت نفسه التوازن مع إيران ومنع تمدّد نفوذها أكثر بطريقة مرِنة.

لكن، وحسب الأوساط الديبلوماسية نفسها، فإنّ ترامب يأخذ من دروس التاريخ ليتمسّك بشراكة مع روسيا ليس فقط في إطار لعبة الشرق الأوسط وإنما أيضاً وخصوصاً في إطار النزاع العريض مع الصين.

وحسب الوثائق الرسمية للبيت الابيض انه في 4 شباط 1972 عقد الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون لقاءً مع مستشاره لشؤون الامن القومي يومذاك هنري كيسنجر للتحضير لزيارة نيكسون التاريخية الى الصين.

وقال يومها كيسنجر لنيكسون «إنّ الصينيين خطيرون مثل الروس لا بل إنهم اخطر من المنظور التاريخي». واضاف: آمل أن يأتي رئيس لبلادنا حكيم مثلكم بعد 20 سنة يعتمد في سياسته على الروس ضد الصين»، مقترِحاً استخدامَ لعبة توازن القوى واستغلال التناقضات بين بكين وموسكو والتي كانت يومها عاصمة الاتحاد السوفياتي.

اليوم يستعيد فريق ترامب نصيحة كيسنجر، خصوصاً أنّ الاتحاد السوفياتي سقط وأنّ التقاطع والتفاوت مع روسيا ضد الصين لم يعد محفوفاً بالمخاطر. لكنّ قوى كثيرة في المنطقة قد تعارض رؤية ترامب للحلّ السوري وقد تتقاطع مع الصين وهو احتمال موجود، ولو انه ليس خياراً حتمياً.

خلال الايام الماضية باشرت الطائرات الاميركية تعقّب الاسلحة الروسية المتطورة التي غنمها «داعش» من تدمر. فدمّرت عدداً من الدبابات الحديثة وأنظمة مدفعية وبطارية صواريخ مضادة للطائرات ويصل مداها الى 16 الف قدم. وهذه البطارية معروفة بصواريخ ارض ـ جو «اس. إي 3». صحيح أنّ «داعش» لا يعرف طريقة تشغيلها لكنّ سلاح الجوّ الاميركي يجهد لتدميرها قبل أن يجد «داعش» مَن يساعده على ذلك ويصبح الطيران الحربي وكذلك المدني في خطر محدِق.