IMLebanon

سهمان يصيبان «السرايا» كما «حزب الله» مقتلا: التمذهب والارتباط الخارجي؟!  

في تشرين الثاني من العام 1997، أعلن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله عن تشكيل «سرايا المقاومة» اللبنانية، تمييزاً لها عن «المقاومة الاسلامية» التابعة لـ»حزب الله»..

في الأساس، كان القصد من تأسيس «السرايا» هو افساح المجال أمام اللبنانيين، كافة، بصرف النظر عن هويته الدينية او الحزبية او الطائفية او المذهبية، للمشاركة في أعمال المقاومة «بشرط» ان يكون المنتسب الى «السرايا» قادراً علي المستوى العقلي والنفسي والجسدي، على المشاركة الميدانية في القتال، وألاّ تكون حوله أي شبهة او علاقة او ارتباط مع العدو الاسرائيلي، كما ان على الشباب الحزبي أخذ موافقة خطية او شفهية من قيادته..» على ما قال السيد نصر الله..

لم يمض وقت طويل على انشاء «السرايا»، «كاطار مرن لكل من يريد المشاركة في المقاومة من دون الالتزام بالضوابط التفصيلية التي يلتزم بها مقاتلو الحزب..» حتى ظهرت على أرض الواقع معطيات أخرجت هذه السرايا عن الخط الثقافي الروحي الذي جرى التبشير به.. حيث كان الهدف اسقاط الصبغة المذهبية التي تحكمت بـ»المقاومة الاسلامية» التي أسسها «حزب الله»، وبدأ انحسار الشباب من الطوائف والاحزاب والتنظيمات الأخرى بالانسحاب، الأمر الذي طرح جملة أسئلة وتساؤلات حول جدية المسألة وإلى أي مدى نجحت السرايا في الالتزام بمبادئها التي أعلنت عنها؟! على الرغم من ان السرايا خاضت مواجهات واستهدفت مواقع لـ»قوات الاحتلال وعملائه في جنوب لبنان..».

لم تكن المشكلة في ان المنضوين الى السرايا خضعوا لدورات تدريبية – عسكرية من كل الاختصاصات.. بل كانت في الدورات التثقيفية، التي وإن حافظت على مبدأ معرفة العدو كمبدأ أساس، إلا أنها راحت بعيداً في «التثقيف الايديولوجي الديني – المذهبي الأمر الذي ساعد على اخراج «السرايا» من موقعها والحقها كتنظيم بـ»الحزب» يأتمر بأمره ويسير على خطى قياداته، في وقت كان المشجعون للمقاومة يقومون بدورهم، عابرين الطوائف والمذاهب ولم يعد لهم من عقيدة ومذهب سوى «الوطنية اللبنانية» الجامعة والمانعة..

لقد دلت التجارب العملية، ان «مقتل المقاومة» يتمثل في مسألتين اثنتين يصفهما البعض بأنهما «سهمان قاتلان»: «التمذهب» للطعن في تمثيلها خارج الطائفة الشيعية أولاً، والثانية في «الأدلجة» مع ايران (الفارسية) للطعن في انتمائها الوطني اللبناني والقومي العربي.. وهما سهمان، وعلى ما دلت الوقائع والتجارب، أكثر المستفيد منهما هي الولايات المتحدة الاميركية والكيان الاسرائيلي..

من أسف ان «حزب الله» الذي خسر «السرايا» كمكون وطني بامتياز راح بعيداً في مذهبة «المقاومة» ولم يخرج عن السياق العام، فقد بات كياناً مذهبياً بامتياز، مغلقاً في وجه أي آخر من طوائف او مذاهب أخرى، ولو كان في لبنان قانون للاحزاب فاعل لمنع الاحزاب التي تفتقر الى التنوع والتعدد لتكتسب الصفة الوطنية الجامعة.

أكثر من ذلك.. ففي وقت كان المشجعون والمؤيدون للمقاومة ضد الاحتلال والعدو الاسرائيلي يخترقون الطوائف والمذاهب والمناطق، كان «حزب الله» يقفل الأبواب في وجه أي كان من خارج المذهبية الشيعية القائمة على أسس وقواعد لا يجمع عليها المذهب الشيعي.. وبعد انجاز التحرير في العام الفين، كانت الفرصة مؤاتية لحركة تصحيحية، لكن قيادات الحزب في معظمها أمضت في خيار المذهبة.. وباتت شريكاً رسمياً في السلطة والنظام الطائفي – المذهبي الذي يجمع الافرقاء كافة على أنه غير قابل للحياة وانتاج الانتماء الوطني الجامع.

لقد بات «حزب الله» جزءاً من الدولة الطائفية – المذهبية

– ومن الجغرافيا الطائفية – المذهبية

– ومن الاقتصاد الطائفي – المذهبي

– ومن الانماء الطائفي والمذهبي

– ومن التربية الطائفية والمذهبية.. فلقد تربعت الطائفية والمذهبية على عرش «حزب الله» الذي ما عاد يمتاز عن غيره بغير أنه يتباهى بكونه «دولة أقوى من الدولة» حيث يأخذ خصومه عليه تمرده على الدولة وامساكه «بقرارات السلم والحرب» التي من المفترض ان تكون حصراً من حق الدولة الوطنية.

كان البعض يعوّل على نقلة نوعية في تاريخ الواقع اللبناني، لكن ذلك لم يحصل.. وبات الحزب، كما سائر الاحزاب، شريكاً، بل أحد أبرز صناع الخطاب السياسي الطائفي – المذهبي، متجاوزاً في ذلك كل الاحزاب والمدموغة بالطابع الطائفي..

إن الدفاع عن الارض والوطن والشعب، واجب وطني بامتياز.. والارض والشعب ليسا إرثا ينتقل الى طائفة او مذهب.. و»حزب الله» أمام تحد كبير بأن يعيد للمقاومة ارثها الوطني لتبقى حاضرة في صلب حياة اللبنانيين.. فالمقاومة المذهبية، شيعية كانت أم سنية، أم غير ذلك ليست أقل من حبل المشنقة يلتف حول عنف المقاومة الحقيقية ويجهض بعدها الوطني والقومي والانساني «ويختزل تمثيلها داخل مذهبها ويساهم في حفر الخنادق من حولها فيتم عزلها، سنيا ومسيحياً ووطنياً، داخلياً واقليمياً ويؤسس لوقائع ليست في مصلحة أي من الافرقاء..».