IMLebanon

رقص أممي على قبور السوريين!

كل هذا الاستعراض الكلامي على المسرح الأممي لن يغيّر شيئًا من وقائع المأساة السورية التي تضخ المزيد من القتلى، وقد فاضوا عن 250 ألفًا، والمزيد من اللاجئين، وقد فاضوا عن 11 مليونًا، بعضهم يموت في أعماق البحار، وبعضهم يذوب في أعماق المجتمعات البعيدة، بينما تغرق الشرعية الدولية ممثلة بقواها الكبرى فيما يشبه العار!

فلاديمير بوتين اقتحم الأمم المتحدة بأحذيته العسكرية الثقيلة التي كان قد أرسلها عبر جسر جوي وبحري إلى طرطوس واللاذقية، مكررًا الدعوة إلى إقامة تحالف جديد لمحاربة «داعش» والإرهابيين، بدت وكأنها مجرد محاولة للتذكير بأن التحالف الدولي الذي سبق أن أعلنه باراك أوباما قبل عام ونيف لم ينجح، لكنه افتتح عملياته الجوية بقصف المعارضة والمدنيين لا بقصف «داعش»، تمامًا كما يفعل النظام!

لكن السؤال: هل التعاون بين روسيا وإيران وسوريا والعراق، يمكن أن يهزم الدواعش، أو أنه انطلاقًا من خلفية تلاوينه المذهبية والممارسات القمعية في سوريا تحديدًا يمكن أن يعطيهم مزيدًا من الدفع والتوسّع؟

دعونا من الخطب والعراضات الكلامية، وتعالوا لنتأمل في الوقائع الميدانية على الأرض سواء في سوريا أو في العراق:

«داعش» لا يخسر في سوريا، فمنذ إعلان بشار الأسد قبل شهرين أنه يعاني من نقص في عدد قواته، وأنه ينسحب إلى مناطق أكثر أهمية (وهي المناطق العلوية طبعًا)، لم يتراجع التنظيم الإرهابي، وباستثناء الضربات الجوية المحدودة التي تلقاها على الحدود التركية السورية، فإنه يتقدم نحو حقول جديدة للنفط في سوريا.

ولكن ماذا سيفعل فلاديمير بوتين الذي أرسل أسرابًا من المقاتلات الحديثة وطواقم من الصواريخ المضادة للطيران إلى طرطوس غير حماية بشار الأسد؟ هل سيكون أكثر حزمًا من باراك أوباما الذي رفض دائمًا النزول إلى الأرض؟

قطعًا لا، فها هو يعلن بعد اجتماعه مع أوباما لمدة 90 دقيقة: «فيما يتعلق بمشاركة روسيا نحن ندرس ما هو الشيء الإضافي الذي يمكن أن نقوم به لدعم الجيش السوري.. لكن لا يمكن أن يكون هناك أي حديث عن أي عملية برية أو مشاركة قوات روسية فيها»!

طبيعي، لأنه يعلم جيدًا أن سوريا ليست الشيشان التي اجتاحها الجيش الروسي ودمر المعارضين الإسلاميين فيها، ولا هي نسخة من القرم المحاذية لحدوده، بل إنها صيغة جديدة من أفغانستان التي اندحر فيها الروس، ويعرف جيدًا أنها يمكن أن تتحول إلى فيتنام روسية، أو على الأقل أنبار أميركية مكلفة.

و«داعش» لا يخسر في العراق؛ فماذا ستضيف «غرفة التعاون الاستخباري» بين بغداد ودمشق وطهران وموسكو إلى عناصر المعركة؟ في الواقع لن تضيف شيئًا، فمنذ عام ونيف سقطت الموصل وتبعتها الرمادي، ولم يتمكن حيدر العبادي من تنفيذ برنامج الحرس الوطني، الذي يمكن أن يحيي تجربة الصحوات التي هزمت «القاعدة» عام 2008، وها هو «الحشد الشعبي» الذي تديره إيران بحوافز مذهبية وتقدّمه على الجيش الوطني يتعثر في معارك استعادة الأنبار؛ فماذا يمكن أن يضيف بوتين إلى المعركة؟

على «الجبهة» الأميركية (إذا صح التعبير) أو فيما يتعلق بأوباما، ليس من جديد سوى الترهات، فقد كان من المثير، لا بل من المعيب، أن يعلن جون كيري بعد القمة الأميركية الروسية أن «هناك فرصة لاستخدام نفوذ روسيا وإيران عند الأسد لوقف إلقاء البراميل المتفجّرة ربما مقابل شيء نفعله»، هكذا بالحرف رغم معرفة أوباما أن الصواريخ الروسية التي وصلت قبل أيام إلى الأسد هي أكثر تدميرًا ودقة من البراميل المتفجرة، ولكن ما الشيء الذي سيفعله أوباما لإبرام هذه الصفقة الصفيقة؟

يمكن استكمال ملامح الترهات الأميركية عندما يعلن أوباما في اجتماع دولي لمحاربة الإرهاب، عقده على هامش الجمعية العامة، أن هزيمة «داعش» في سوريا تحتاج إلى قيادة جديدة، وليس من الواضح عن أي قيادة يتحدث، وخصوصًا بعد انكشاف مهزلة البرنامج الأميركي الذي أعلن منذ عام تقريبًا ورصد له مبلغ 500 مليون دولار، وكان يهدف إلى تدريب 5400 عنصر من المعارضة المعتدلة في السنة ولمدة ثلاث سنوات، لكن تبيّن أنه مجرد وهم، أولاً لأنه بطيء جدًا باعتراف قيادات عسكرية أميركية، ولأن التدريب لم يشمل سوى العشرات، ثم لأن «الفرقة 30» هُزمت فور دخولها إلى سوريا أمام «جبهة النصرة» التي استولت على أسلحتها!

قمة الترهات الأميركية جاءت على هامش اللقاء بين بوتين وأوباما، وخصوصًا بعدما وجهت الإدارة الأميركية الانتقادات إلى روسيا، لأنها ترسل الأسلحة والجنود والخبراء العسكريين إلى طرطوس، في حين أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها ستتوقف لفترة عن تدريب مقاتلي المعارضة السورية وتسليحهم، حتى مراجعة هذا البرنامج والنتائج الهزيلة التي حققها، والمثير أن البرنامج لم يشمل سوى مجموعتين من 54 و70 مقاتلاً، في حين تتحدث واشنطن عن 30 ألف إرهابي التحقوا من الغرب بـ«داعش».

ربما زيادة في السخرية تعمّدت الإدارة الأميركية أن تعلن قبل ساعات من القمة بين بوتين وأوباما، أنها فرضت عقوبات على عدد من كبار قادة تنظيم داعش وشخصيات مالية، وصنّفت جماعات إضافية وشخصيات على أنهم مقاتلون إرهابيون أجانب، ولم تتردد وزارة المالية في الإعلان أنها «تظل على موقفها الذي لا يلين بشأن محاصرة (داعش) ماليًا»، هكذا بالحرف، ولربما لا يستطيع أبو بكر البغدادي وجماعته من الذبّاحين أن يناموا بعد هذا الإعلان!

أوباما وبوتين اختلفا جذريًا على عقدة الأسد التي أفشلت الحل السلمي منذ ما قبل مؤتمر «جنيف 1»؛ ففي حين يقول أوباما إن الأسد طاغية وقاتل أطفال، وإنه لا مكان له في المرحلة الانتقالية، يقول بوتين إن عدم التنسيق مع الأسد والجيش السوري خطأ فادح، ولكن النتيجة الموضوعية للموقفين متشابهة رغم الاختلاف، ذلك أن بوتين يضع السوريين أمام خيار قاتل، وهو إما ديكتاتورية الأسد وإما الإرهاب، وهو الخيار عينه الذي عكسته سياسة أوباما منذ البداية، عندما ترك الشعب السوري يُذبح بين نارين؛ نار النظام الديكتاتوري، ونار التنظيمات الإرهابية الزاحفة إلى سوريا.

بوتين يتفوق في الفظاظة عندما يقصف المعارضة، ولا يتردد في القول إن مصير الأسد يقرره الشعب السوري الغارق إما في الدم وإما في البحار، لأن الأسد هو الذي يقرر مصيره البائس بدعم من روسيا وإيران، ووسط تصفيق خبيث من أوباما.. مفهوم؟