IMLebanon

في ظلّ الوضع الإقليمي والتجاهل الدولي..

هل وضع لبنان افضل بوجود رئيس للجمهورية، أي رئيس، ام ان البلد يستطيع الانتظار؟ هناك وجهة نظر لا يمكن الّا اخذها في الاعتبار. تقول وجهة النظر هذه ان انتخاب رئيس للجمهورية يبقى افضل من استمرار الفراغ، خصوصاً اذا التزم الرئيس، بملء ارادته طبعاً، ضوابط معيّنة. لم يعد من خيار آخر امام لبنان من اجل ملء الفراغ الدستوري في هذه المرحلة الحرجة وذلك بعد استنفاد كلّ الخيارات الأخرى. هذا ما حاول الرئيس سعد الحريري شرحه في خطابه يوم العشرين من الشهر الجاري، وهو كان بالفعل خطاباً من القلب يصدر عن رجل شجاع وجريء يهمّه «ان يبقى البلد».

تحدث سعد الحريري عن «مخاطرة». انّها مخاطرة بالفعل، بل اكثر من مخاطرة. يمكن الكلام حتّى عن مغامرة ومجازفة. هل من سبيل آخر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل الوضع العربي والاقليمي القائم وفي ظلّ التجاهل الدولي لما يدور في لبنان؟ هناك تجاهل للمأساة التي تتعرّض لها حلب، تلك المدينة الكبيرة التي تعتبر من اقدم الحواضر في العالم. لا مأساة في القرن الواحد والعشرين اكبر من هذه المأساة في ظلّ إدارة أميركية قرّرت التزام موقف المتفرّج حيال ما يدور في المنطقة. لم يكن من خيار

آخر امام لبنان غير محاولة لملمة أوضاعه، اقلّه في انتظار إدارة أميركية جديدة قد لا يكون هدفها الوحيد وهمّها الاوّل عدم اغضاب ايران، خصوصاً في سوريا، حماية للاتفاق في شأن ملفّها النووي.

في ظلّ ما يدور في الشرق الاوسط، يأتي على رأس الضوابط التي تعتبر من البديهيات والتي يفترض في رئيس الجمهورية احترامها، التزام اتفاق الطائف، والعمل على إعادة الحياة الى الاقتصاد ومشروع الاعمار وبناء مؤسسات الدولة، والنأي بالنفس عما يدور في سوريا. انها ضوابط من اجل حماية لبنان. انهّا ضوابط كافية لتمرير المرحلة الراهنة في حال صدقت النيّات ومارس رئيس الجمهورية الدور المطلوب منه ان يمارسه، بعيداً عن ايّ كيدية، بصفة كونه رئيساً لكلّ لبنان.

بكلام أوضح، على لبنان حماية نفسه كي لا تجرفه العاصفة التي تجتاح الشرق الاوسط والتي من نتائجها، الى الآن، سقوط الجزء الأكبر من العراق تحت الهيمنة الايرانية وتفتيت سوريا في ظلّ تنسيق روسي ـ إسرائيلي في كلّ المجالات بمشاركة إيرانية على الأرض عبر ميليشيات مذهبية باتت تشكل الوجه الآخر لـ»داعش».

كان التصريح الأخير الصادر عن اللواء محمد علي جعفري قائد «الحرس الثوري» في ايران اكثر من واضح. لم يعد امام كلّ من يسعى الى معرفة ماذا تريد ايران سوى قراءة ما ورد في التصريح. قال جعفري بالحرف الواحد: «ان ايران هي من تقرّر مصير سوريا». ذهب الى ابعد من ذلك عندما قال أيضا: «انّ الدول الكبرى تتفاوض مع ايران لتحديد مصير دول المنطقة بما فيها سوريا». من يقول ان ايران تحدد مصير سوريا، يعني في حقيقة الامر ان ايران تحدد مصير لبنان أيضاً.

لم يكن في استطاعة لبنان المراهنة على الفراغ الرئاسي في ظلّ الهجمة التي تتعرّض لها دول المنطقة، على رأسها العراق وسوريا. ما اهمّية لبنان عندما يتعلّق الامر بدول في حجم العراق وسوريا؟ كلّ ما يستطيعه لبنان هو تحمّل وزر وجود ما يزيد على مليون ونصف مليون لاجئ سوري في أراضيه. سيشكل هؤلاء في المستقبل مشكلة كبيرة على كلّ صعيد في بلد ذي موارد محدودة بات معزولاً عن محيطه العربي.

لا يزال لبنان يقاوم وذلك على الرغم من تخلي كثيرين عنه. صحيح ان معظم مؤسساته مهلهلة. صحيح انّ «حزب الله» جلب الويلات على البلد جراء تدخله في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. صحيح ان عبء اللاجئين السوريين كبير. لكنّ الصحيح أيضا انّ لا مجال للرهان على المجهول.

ما ستكشفه الأسابيع المقبلة، بعد ان يصبح ميشال عون في قصر بعبدا، هل من مجال لاعادة الإقلاع بالبلد واقتصاده. سيتبيّن ما اذا كانت هناك رغبة في إعادة الحياة الى بيروت والمدن والمناطق اللبنانية الأخرى. لا شكّ ان القرار الذي اتخذه سعد الحريري وضع «حزب الله» امام لحظة الحقيقة، فكان على الأمين العام للحزب السير في عملية سدّ الفراغ الرئاسي ولكن مع تمرير كلمة «تضحية». إعتبر ان القبول بسعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء «تضحية»، علماً ان الدستور يقول بالاستشارات «الملزمة» التي يجريها رئيس الجمهورية الذي عليه تكليف الشخصية التي تحصل على اكبر عدد من الأصوات تشكيل الحكومة. صار احترام الدستور «تضحية». صار التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء «تضحية».

على هامش ما يدور في المنطقة، يظل على اللبنانيين العمل يومياً من اجل مقاومة المشروع التوسعي الايراني الذي يستهدف كلاً منهم. يستهدف المشروع كلّ لبناني بغض النظر عن الطائفة او المذهب او المنطقة. من يستوعب هذه المعادلة لن يجد صعوبة في فهم الأسباب التي دفعت الى التفكير جدّياً في كيفية ملء الفراغ الرئاسي والدخول في مجازفة كان لا بدّ منها، لعلّ وعسى يبقى البلد في منأى عن العاصفة التي تضرب المنطقة، خصوصاً ان حرب سوريا لا تزال في بدايتها…