IMLebanon

إدارة أميركية متشددة تضعف مشروع إيران التوسعي

ما بعد معركة حلب وأوراق المحور في المفاوضات مع إدارة ترامب

إدارة أميركية متشددة تضعف مشروع إيران التوسعي

عين النظام على بيت جن في سفح جبل الشيخ وسيناريو عربي لترتيبات اقتصادية مع موسكو تجعل طهران الخاسر الأكبر

سقوط  أحياء حلب الشرقية في يد النظام بشكل كلي ليس سوى مسألة وقت، وفق تقديرات المراقبين في «محور الممانعة»، رغم إعلان الروس وقف العمليات، ذلك أن إمكانات الصمود الاستراتيجي لم تعد متوافرة في ظل تحوّل في الموقف التركي ساهم في خلخلة المعارضة المسلحة وحتى تصارعها وانقسامها، وفي انسحاب بعض الفصائل من أحياء عدة لمصلحة تقدّم قوات النظام وحلفائه من الميليشيات الشيعية التي تشكّل أذرع إيران في سوريا بقيادتها وبغطاء جوي روسي.

حسابات الأتراك بعد الانقلاب الفاشل أضحت مختلفة عما قبله. وإسقاط  المشروع الكردي بالنسبة لأنقرة أولوية تتقدّم ما عداه، ولو جاء على حساب تبدّل رؤيتها السياسية الداعمة للمعارضة السورية والمناوئة لرأس النظام في سوريا. حتى أن المعلومات المتداولة في أروقة محور روسيا – إيران – النظام السوري تتحدث عن شراكة تتجاوز الملف السوري إلى رؤية استراتيجية للمنطقة ستتبلور أكثر في قابل الأشهر، وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تحوّل بعد الانقلاب إلى فريسة أسهل للروس والإيرانيين، حصل على ما يشبه الضمانات التي تبدّد هاجسه حيال استكمال الأكراد لـ «كانتونهم» عبر وصل عفرين بـ «كوباني العرب» جغرافياً، وهو ما كان يعمل أردوغان على منعه من خلال محاولة السيطرة على «الباب» من ضمن عملية «درع الفرات».

في أغلب الظن أن أردوغان بنسخته الجديدة قد ضرب التهديد الكردي حتى إشعار آخر، ولكن في المحصلة، يشكل السقوط الكلي لحلب الشرقية – إذا لم تحصل مفاجآت تبدو بعيدة – انتصاراً استراتيجياً للنظام وحلفائه. فمعركة حلب في تموز 2012 كانت لحظة حاسمة في اتجاه تداعي النظام وحلفائه. اليوم هي لحظة حاسمة في الاتجاه المعاكس الذي يعزز موقع الأسد داخلياً وإيران إقليمياً وروسيا دولياً.

لا شك أن روسيا وحلفاءها  الإيرانيين وميليشياتهم والنظام راهنوا على الوقت الضائع أميركياً، فوضعوا إمكانات عسكرية ضخمة من أجل كسب معركة حلب، واستطاعوا تحقيق ذلك لا سيما مع تحييد الأتراك، وإن كان محللو «محور الممانعة» يعتقدون أن الدعم التركي – لو حصل – كان ليؤخر سقوط حلب الشرقية لا ليمنعه، مقارنة مع الترسانة العسكرية ونوعيتها وسلاح الجو والحشد البشري الذي تم توفيره للعملية.

غير أن السؤال: ماذا بعد حلب في المخطط الروسي – الإيراني – الأسدي؟ إن الأولوية لتحصين المدينة عبر قضم الأرياف ولا سيما الريف الجنوبي، حيث «جيش الفتح» لا يزال قوياً، وتحصين العاصمة إذ تبقى هناك عقدة دوما وإخضاع ما تبقى من ريف دمشق، والعين هنا على «بيت جن» في سفوح جبل الشيخ التي تبعد أقل من خمسة عشر كيلومتراً عن بلدة شبعا. ومع السيطرة على حلب، يعتبر النظام أنه نجح في استرجاع القوة الاقتصادية والثقل الديموغرافي السني الذي تشكله المدينة، حيث لا يزال جزء كبير من سكانها فيها ويمكن استقطابهم من جديد، ويتمتعون بحيوية كبيرة في إعادة النهوض بمدينتهم واقتصادها.

والسياسة التي سيتم انتهاجها تكمن، وفق المتابعين، في التلازم بين العمل العسكري والمسعى السياسي. ذلك أن الاتجاه إلى الحسم العسكري من حل سياسي غير قابل للتطبيق، لكن المسألة التي ستكون مطروحة هي كيف يمكن توظيف الانتصارات العسكرية في الحل السياسي ولأي أهداف؟

وفي انتظار أن يحين وقت التفاوض، فإن الخيارات بعد استرجاع العاصمة الاقتصادية، تكمن في استرجاع المناطق النفطية والزراعية التي تتركز في منطقة الجزيرة، حيث السيطرة لـ«تنظيم داعش»، وتكتسب المعركة عنواناً لا لبس فيه في محاربة الإرهاب، في وقت يتم تحويل محافظة إدلب إلى مستودع للمقاتلين – «الإرهابيين» وفق توصيف منظري المحور - والذين يرون أن معركة الإجهاز عليهم تنتظر التوافق مجدداً على قواعد تطبيق الاتفاق الروسي – الأميركي الذي أقره وزيرا خارجية البلدين سيرغي لافروف وجون كيري وتنصّل منه الأميركيون، وهو اتفاق سيُشكّل أساس أي نقاش مستقبلي بين موسكو والإدارة الأميركية الجديدة برأي هؤلاء الذين يذهبون في زهوة «الانتصار الحلبي» إلى الاعتقاد بأن معركة الرقة سوف يُوكل بها إلى الروس وحلفائهم.

ليس واضحاً بعد المدى الذي سيذهب إليه الروس والإيرانيون والنظام في الوقت الضائع. الاعتقاد السائد أن الاستراتيجية الروسية تهدف إلى تحسين أوراقها التفاوضية وأوراق  المحور الذي تتزعمه مع الإدارة الأميركية المقبلة… ولكن حول ماذا؟ هل حول سوريا أم حول الملفات الشائكة التي تخص كلاً من أطراف المحور؟

فأزمات روسيا تمتد من أوكرانيا واحتلال جزيرة القرم إلى خطر الدرع الصاروخي والعقوبات الاقتصادية والعلاقة مع دول البلطيق والصراع على آسيا الوسطى، وينتظر «القيصر» إلى ما ستؤول إليه العلاقة مع سيّد «البيت الأبيض» الجديد، إذ أن الرغبة المعلنة من الرئيس الأميركي المنتخب هي بالتعاون لا التصادم، وما يقتضيه التعاون من الوصول إلى رؤية مشتركة في حل أزمات المنطقة، ومنها الأزمة السورية حيث موسكو لاعب أساسي فيها، وحيث الحل يستلزم تقديم تنازلات. وهي تنازلات سيتم رسم حدودها في مقابل الحفاظ على المؤسسة العسكرية وضمان المصالح الروسية والحصول على الأثمان المطلوبة في إطار المشهد الأكبر.

أما أزمة إيران مع وصول ترامب إلى «البيت الأبيض» فبدأت معالمها تظهر من خلال الفريق الذي يتشكّل في الإدارة الجديدة والذي يأتي من خلفية معادية لإيران ولدورها في المنطقة. وستتضح أكثر بعد بدء ترامب بممارسة مهامه في العشرين من كانون الثاني المقبل، وهو الذي لا يزال متمسكاً بموقفه حيال إلغاء الاتفاق النووي مع إيران أو تعديله على أقل تقدير، وإبقاء سيف العقوبات عليها. وهي سياسة ستترك انعكاساتها على مشروعها التوسعي وتمدد نفوذها في المنطقة الذي تعزز في عهد إدارة أوباما. من هنا يُدرج مقرّبون من فريق ترامب المتابع لملفات الشرق الأوسط  معركة حلب ومن قبلها الضغط على البرلمان العراقي لتمرير قانون تشريع الحشد الشعبي الموالي لإيران، وحتى تسهيل الانتخابات الرئاسية في لبنان في إطار سعي إيران للإمساك بأكبر قدر من الأوراق  قبل استلام الإدارة الجديدة.

ورغم أن منظري المحور الروسي – الإيراني – الأسدي يخففون من وطأة مجيء ترامب على مستقبل نفوذهم في المنطقة، وينظرون إليه على أنه رجل الصفقات لا المبادئ، ويراهنون على أن موسكو قادرة على ترويض العلاقة بين واشنطن وطهران رغم الوعيد الأميركي، فإن المقربين من فريق ترامب يرون أن رهان هذا المحور ليس في محله، ذلك أن التعاون مع الروس له حدوده، ومنطلقه أن روسيا ليست الاتحاد السوفياتي التي يفترض أن تخشى أميركا من توسعها، وبالتالي يمكن صوغ تفاهمات معها وحفظ مصالحها وفق حجمها وموقعها. أما  في ما خص الاتفاق النووي، فإن الكرة ستكون في الملعب الإيراني عندما تتم مراجعته واتخاذ القرار حياله والتعامل مع تداعيات تمدد إيران في المنطقة سواء في اليمن أو العراق أو  في سوريا التي لا يستبعدون سيناريو أن تكون طهران الخاسر الأكبر فيها إذا تم تعزيز موقع موسكو في الشرق الأوسط، وذهاب الدول العربية والخليجية إلى مزيد من الانفتاح عليها اقتصادياً!