IMLebanon

تفاوض أميركي ـــــ روسي على «وقع» الضربة في سوريا

لاحظت مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع، أن زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لروسيا لم تُلغَ مثلما ألغيت زيارة نظيره البريطاني، اثر الضربة الأميركية في سوريا وردود الفعل عليها، بل على العكس، حصلت الزيارة والإدارة الأميركية تريدها أكثر من أي وقت مضى، من أجل التفاوض بعد الضربة وفق قواعد جديدة.

إذاً، الزيارة تمّت على وقع الضربة، ويمكن تلخيص أهداف واشنطن من ورائها كالآتي:

– إعادة وضع الخط الأحمر الأميركي من جديد، وهو أن استعمال السلاح الكيماوي، وأسلحة الدمار الشامل ممنوع.

– أن الأميركيين يقولون للعالم ولروسيا إنهم لا يزالون هنا، وإنهم لم يخرجوا من الأزمة السورية، وإن كل اللاعبين يُفترض أن يحتسبوا الأمور على هذا الأساس.

– أن المسألة ليست كما تم تصويره بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب مستعدة للحديث مع بشار الأسد من أجل محاربة «داعش». المهم ما الذي سيحصل بعد الضربة. فهل ستزيد واشنطن الدعم للمعارضة؟ وهل سيتم رفع الحظر عن الصواريخ المضادة للطيران للمعارضة السورية؟ إذ من المستبعد أن تكون الضربة على «الشعيرات» قادرة وحدها أن تؤدي إلى تغيير في السياسة الأميركية، بل يُنتظر أن تتم مواكبتها بإجراءات أخرى. والدول الغربية ستبني على الضربة في سياستها مع واشنطن لمحاولة جرها صوبها وإبعادها عن روسيا. في اجتماع مجموعة G7 تحدث الأوروبيون عن ضرورة فرض عقوبات على روسيا إذا لم تتخلَّ عن دعم الأسد.

كما لاحظت المصادر، أن الولايات المتحدة لم تضع سياسة خارجية واستراتيجية متكاملة، إنما هي تعمل على إنجازها، لكنها في الوقت نفسه تتصرف وتقوم بما يلزم فعلياً.

ويريد ترامب من خلال الضربة، أن يثبت للداخل الأميركي أنه ليس مثل سلفه باراك أوباما، الذي وضع خطاً أحمر بالنسبة إلى السلاح الكيماوي، وتم تجاوزه، ولم يقم بأي ردّ فعل إزاء هذا التجاوز، كما أن الضربة تشكّل رسالة، أن ترامب حاسم، ويستطيع إتخاذ قرار ولن يتراجع، إزاء تجاوز الخطوط الحمر لديه. فضلاً عن أنه أراد بداية رسم حدود للنفوذ الروسي في سوريا والشرق الأوسط. كذلك أراد توجيه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، حول أن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي حيال تعطيل الروس لعمله وجعله عاجزاً عن اتخاذ قرار حول الحال في سوريا. حتى أن النقاشات في المجلس حول المشاريع المطروحة وصلت مع الروس إلى حائط مسدود. وروسيا عملت على تقديم مشروع مضاد للمشروع الأميركي – الفرنسي – البريطاني. قدمت واشنطن وباريس ولندن مشروعاً جديداً وروسيا أسقطته باستخدامها حق الفيتو.

وتشير المصادر، إلى أنه إذا وقفت الأمور عند هذا الحد، فيكون تأثير الضربة محدوداً. والأميركيون ليسوا متخوفين من أي ردود فعل تم التهديد بها، لأن إيران عادة لا تُحارب مباشرة، بل تقوم بعمليات أمنية والروس لن يدخلوا في حرب مع الولايات المتحدة والسلاح الروسي ليس متطوراً كالسلاح الأميركي. كما أن روسيا والصواريخ التي تنصبها في سوريا «٣٠٠ آس» و «٤٠٠ آس» لم تعترض أي صاروخ أميركي قُصف على سوريا.

قد تكون الضربة الأميركية بحسب مصادر في موسكو، أدت إلى ظهور موارد السياسة الأميركية حيال الملف السوري، وإن كان الحسم في هذا الموضوع غير ممكن حالياً، لأنه لا يمكن معرفة إذا ما كانت بداية سياسية هجومية معينة ستُتبع وستستمر، أم أنها مجرد تنفيس احتقان داخلي أميركي، نتيجة عدم قدرة ترامب على استكمال تكوين إدارته، والصراع بين البنتاغون والعسكر من جهة وبعض مستشاريه من جهة أخرى، ففي فريقه الصقور والحمائم على حد سواء.

وتفيد المصادر، أن أهم ما في الضربة التغيير الجذري في الموقف الأميركي بين الرئيس الحالي والرئيس السابق باراك أوباما والذي لم يتدخل في الملف السوري إلا بشكل محدود، لكن الآن هناك سياسة جديدة. وهذه السياسة بعثت رسالة إلى روسيا من خلال الضربة أن الأخيرة ليست اللاعب الوحيد على الساحة السورية، وأن الأمر بات مختلفاً عما كان عليه الوضع أيام الإدارة السابقة، عندما كانت روسيا تتسلم كل أوراق الأزمة السورية وحدها، أي أن الرسالة مفادها أن الولايات المتحدة لم تنسحب من الشرق الأوسط، ولا من الأزمة السورية ولن تترك للروس أن يديروا الوضع في المنطقة بالشكل الذي يرونه مناسباً.

ولفتت المصادر، إلى أن استكمال البحث بالمشاريع المعروضة في مجلس الأمن وارد، لكن هناك صعوبة في الاتفاق على قاسم مشترك أميركي – روسي.

مفاعيل الزيارة ستظهر سياسات كل من واشنطن وموسكو، ومدى إمكان التفاهم بينهما، إذ إنه لا حلول ستحصل في سوريا من دون هذا التفاهم. لكن ليس بزيارة واحدة تُحل كل الأمور.