IMLebanon

الضربة الأميركية خاطئة… أم قاتلة؟

ذكرَ الجيش السوري أنّ قوّاته الموجودة في دير الزور تعرّضت لغارات الطيران الحربي الأميركي. وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، نقلاً عن مصادر في دير الزور، أكّد مقتلَ 80 جندياً سوريّاً على الأقلّ في غارات أميركية. هذه الغارات دفعَت بروسيا إلى اتّخاذ موقف مستنكر، كما جاء على لسان سفيرها في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين «بأنّ ما أقدمت عليه واشنطن يُعتبر مخالفاً للقوانين الدولية، ويُعتبر تهديداً لِما اتّفِق عليه بين الفريقين أخيراً لعودة الاستقرار في سوريا».

هذه ليست الحادثة الأولى التي يتعرّض فيها الجيش السوري لاعتداء أميركي وإسرائيلي على أرضه. لكنّها المرّة الأولى التي تكون فيها التصريحات الروسية عالية النبرة، لإدارك اللاعب الروسي مدى خطورة هذه الاعتداءات المتكررة على مخططاتها في سوريا والمنطقة.

لذلك فقد اتّهمت روسيا واشنطن بالتواطؤ مع داعش، وقالت الخارجية الروسية: «وصلنا إلى استنتاج مرعب مفادُه أنّ واشنطن تتواطأ مع داعش».

صحيح أنّ الإدارة الأميركية نَقلت أسفَها عبر روسيا لسقوط قتلى من صفوف الجيش السوري، وعمدت إلى تعليق عملياتها في دير الزور تمهيداً لكشف ملابسات الحادثة. إلّا أنّ الحادثة أتت متزامنةً مع سلسلة من الضربات الجوّية الإسرائيلية للجيش السوري. الأمر الذي يثبّت أنّ للولايات المتحدة قراءةً مختلفة حول الوضع في سوريا.

لذلك فقد تعمَّدت إلى إيصال رسالة للجانب الروسي قبل الجانب السوري على أنّ الأمور قد تخطّت الخطوط الحمر في الورقة السورية. وكانت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سامانتا باور قد أكّدت في وقتٍ سابق» أنّ روسيا لا تلتزم بوفائها بتعهّداتها في إطار اتّفاق التهدئة حول سوريا».

هناك دوافع مستجدّة على الإدارة الأميركية حثّت بها للتدخّل المباشر في الحرب الدائرة في سوريا. فإنّ شعورَها بتزايدِ النفوذ الروسي في المنطقة، وخسارتها لحليفتها تركيا مع محاولة الانقلاب الفاشلة، وضعف الدعمِ السعودي والقطري المالي واللوجستي للمعارضة السورية، هي عوامل ربّما تكون قد أعطت الضوء الأخضر لوكالة الاستخبارات الأميركية للاستعانة بالخطة «ب» في سوريا.

هذه الخطة التي عاد مجدّداً الحديث عنها في حال انهيار الهدنة في سوريا وتعثّر مفاوضات جنيف، وهي ترتكز على التدخّل المباشر للجيش الأميركي في المعركة طالما الأمر يتطلّب هذا.

لذا، فإنّ لهذه الضربة أبعاداً قد تكون خاطئة، أم قاتلة على كلّ الأفرقاء المتحاربة. وأبرز هذه الأبعاد:

– التقارير الاستخباراتية التي تعتمد عليها الإدارة الأميركية حول الوضع في سوريا. إذ تحمل هذه الضربات رسائل شديدة بأنّ أيّ انحدار للمفاوضات عن حدّها قد يُدخل المنطقة في حرب لا تنتهي.

– عدم السماح بإضعاف الدولة الإسلامية وجبهة النصرة والفرَق المقاتلة للنظام التي ترى فيها الوكالة الاستخباراتية الإسرائيلية فريقاً لا يجب أن ينهزم. لأنّه يشكّل مصدرَ استنزاف للفريق الممانع في المنطقة. وقد عبّرَ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «هرتس هليفي» صراحةً في قوله «إنّ القتال ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا ليس من مصلحتها الإستراتيجية ما لم يكن مقترناً بمواجهة حزب الله».

– ضرورة فتح جبهة الجولان العسكرية مع النظام السوري، من خلال تعزيز وجود جبهة النصرة لاستحضار حزب الله إلى القتال واستنزافه. لأنّ التحقيقات الإسرائيلية تؤكّد عن جهوزية الحزب في جنوب لبنان لأيّ معركة مستقبلية معها.

– تزايُد العمليات الإرهابية في أميركا التي تعطي تقدّماً للمرشّح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب على منافسته المرشّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون المدعومة من الرئيس أوباما. لذلك ومع قربِ موعد الانتخابات الرئاسية يجد الحزب الحاكم بأنّ عليه أن يحقّق تقدّماً سياسياً وعسكرياً في سوريا لدعم حملته الانتخابية المرتكزة على مكافحة الإرهاب وصانعي الإرهاب في العالم، في سبيل كسبِ الرأي العام المنتخب لصالحه.

أخيراً، مهما كانت رسائل هذه الضربة وما سبَقتها وما ستليها خاطئة أم لا، إلّا أنّها بالطبع قاتلة لأنّها من الأوراق الأخيرة التي تمتلكها الإدارة الأميركية لإعادة قيادتها للمنطقة وحماية مصالحها. فهي ستكون قاتلةً، إنْ نجحت، للجهود العسكرية والسياسية الروسية، ولحلفائها في المنطقة، وستقضي على أحلام القيصر بالتوسّع والإيرانيين بالتمدّد. كما وستكون قاتلةً من جهة ثانية، إنْ أخفقَت، للإدارة الأميركية التي على ما يبدو قد تخسر نفوذها ومصالحها في المنطقة مع شريكتها إسرائيل إلى زمان يبدو سيطول.