IMLebanon

الجانب المفيد في خطاب نصرالله

باستثناء مزيد من التصعيد مع المملكة العربية السعودية، من أجل الإساءة إلى لبنان واللبنانيين، ليس هناك، في العمق، أي جديد في الخطاب الأخير للسيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله« في لبنان عن اليمن. 

ملخّص الخطاب، هجوم على المملكة العربية السعودية تجاوز ما ورد في الخطابات السابقة وذلك بتركيز نصرالله على الملك عبد العزيز بن سعود الذي أسّس المملكة، إضافة إلى الاستفاضة بمهاجمة الفكر الوهّابي من منطلق أنّه في اساس الفكر الداعشي. وهذا غير صحيح إطلاقا، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار العداء الذي تكنّه المملكة لكلّ التنظيمات المتطرّفة، على رأسها «داعش«. 

يبقى أن هناك جانباً مفيداً في خطاب نصرالله. تكشف لهجة الخطاب مدى التضايق الإيراني، بل الصدمة الإيرانية، جراء «عاصفة الحزم« التي تقودها السعودية في اليمن بمشاركة عربية واسلامية ودولية بهدف واضح. يتمثّل هذا الهدف في العودة إلى الخيار السياسي والحوار في ظروف طبيعية. تعني الظروف الطبيعية أن لا يفرض طرف مرتبط بإيران شروطه على الآخرين بقوّة السلاح بحجة وجود شيء اسمه «الشرعية الثورية«.

أدّت «عاصفة الحزم« الجانب الأساسي المطلوب منها يمنياً وذلك بكبحها الانطلاقة الإيرانية في اليمن. هذه الانطلاقة الإيرانية بلغت عدن وكان يمكن أن تبلغ كلّ الجنوب بعدما حصل الحوثيون، أي «انصار الله«، على دعم واضح من القوى العسكرية التي لا تزال موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح.

ما قد يكون ضايق ايران أكثر من ذلك بكثير، أن «عاصفة الحزم«، التي هي أيضا عاصفة العزم العربي، أظهرت أنّ هناك قوّة عربية على استعداد للمبادرة بدل التفرّج على التمدّد الإيراني في كلّ الاتجاهات. لم يعد ممكنا الاستهانة بهذه القوّة القادرة على القيام بنحو مئة طلعة جوّية يومية، بل أكثر من ذلك.

يعبّر حسن نصرالله عن التضايق الإيراني من وجود مثل هذه القوّة من جهة والاستفاقة العربية من جهة أخرى. كان مفترضاً بالعرب أن يبقوا نياماً، كي يرتاح الأمين العام لـ«حزب الله« وكي يفرض النظام الإيراني شروطه على جيرانه العرب بدءاً بالبحرين وصولاً إلى اليمن، مرورا بالعراق وسوريا ولبنان. 

لا يعرف الأمين العام لـ«حزب الله« الكثير عن اليمن وتعقيداته وذلك على الرغم من أن العلاقة القائمة بين حزبه والحوثيين قديمة جدا وعمرها يزيد على خمسة عشر عاما. ليس سرّا أن الفضائية التابعة للحوثيين واسمها «المسيرة« تبث من منطقة نفوذ «حزب الله« في بيروت، وليس من مكان آخر. 

لا يزال الموضوع اليمني في بدايته، لكنّ ما يخشاه حسن نصرالله ومن خلفه ايران، أن يكون اليمن بداية وليس نهاية كما تتمنّى طهران. إنها بداية لتفكير عربي جديد في شأن كيفية التعاطي مع الأزمات القائمة في العراق وسوريا ولبنان. 

الملفت أنّ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، حاول في واشنطن الكلام عن السيادة العراقية موجّهاً انتقادات، وإن بحياء وخفر، إلى ظهور القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في صور تشير إلى أنّه كان يقود المعركة في تكريت. صحيح أنّ الأيّام ستكشف أن العبادي لا يختلف في شيء عن سلفه نوري المالكي، لكن الصحيح أيضا أنّ العبادي يبدو مضطرا، خلال وجوده في العاصمة الأميركية، إلى الظهور في مظهر مَن يسعى إلى المحافظة على الحدّ الأدنى من الاستقلالية عن ايران ومشروعها التوسّعي المبني على إثارة الغرائز المذهبية!.

الملفت ايضا أن الوضع في سوريا يتغيّر على الأرض لمصلحة الشعب السوري الذي يشارك «حزب الله« ومن خلفه ايران في عمليات ذبحه بشكل يومي. هل الخطاب عن اليمن تعبير عن عمق المأزق الذي بات «حزب الله« يجد نفسه فيه نتيجة تجاهله الحدود اللبنانيةـ السورية وانغماسه في الحرب التي يشنّها نظام على شعب مظلوم؟.

الملفت أخيراً وليس آخراً، أنّه ما كاد نصرالله ينهي خطابه حتّى كان الرئيس سعد الحريري يفنّد كلّ نقطة فيه، بما يؤكّد أن لبنان يرفض أن يكون مستعمرة ايرانية وذيلاً لـ«محور الممانعة«.

ما هو ابعد من اليمن، القرار العربي بعدم الاستسلام لإيران. وهذا ما يفسّر إلى حد كبير اللهجة الاستفزازية في خطاب حسن نصرالله الذي صار فجأة حريصاً على الأقلّيات في المنطقة!.

منذ متى هناك حرص لدى «حزب الله« على الأقلّيات وعلى المسيحيين في لبنان؟. من يعرف عن بعض ما تعرّض له المسيحيون من تهجير وتنكيل في بيروت الغربية في مرحلة ما بعد تغلغل «حزب الله« في إحياء هذا الجزء من المدينة، لا يعود يتساءل عن الفارق بين ممارسات هذه الميليشيا المذهبية وما تعرّض له المسيحيون في العراق على يد «داعش« وغير «داعش« من ميليشيات سنّية وشيعية.

بعض الحياء ضروري بين حين وآخر. قبل أن يبدي «حزب الله« بلسان أمينه العام حرصه على اليمن واليمنيين، لماذا لا يسهل عملية انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان؟. هل لأن الرئيس في لبنان مسيحي، وهو رئيس الدولة المسيحي الوحيد في هذه المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى ما بعد الخليج العربي؟!!.