IMLebanon

فشل الحكومات في إقامة دولة الخدمات جعَل قوى المجتمع المدني تتحرّك في الشارع

عندما قامت “ثورة الأرز” عام 2005 ونجحت في إخراج القوات السورية من لبنان وفي استعادة السيادة والحرية والاستقلال، أمل القائمون بها، ولا سيما جيل الشباب، في أن تنهض الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها فلا تكون دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، وأن تكون فعلاً لا قولاً دولة الحق والقانون والعدالة. لكن عشر سنوات مرّت على قيام هذه الثورة ولا شيء تغيّر لا بل إن لبنان انتقل من وضع سيئ الى وضع أسوأ بحيث شعر الناس بأن زمن الحرب كان أفضل من زمن السلم… فلا كهرباء ولا ماء ولا عمل ولا طبابة واستشفاء، ولا مشاريع تحقق الإنماء المتوازن في كل المناطق، الى ان انتهى الأمر بما لم يتوقعه أحد وبه طفح الكيل عندما اجتاحت النفايات كل لبنان وكادت تدخل البيوت وتنشر الأوبئة وتهدّد الأطفال خصوصاً في صحتهم، ما جعل الناس يترحّمون على العهود الماضية.

والسؤال المطروح هو: من المسؤول عن عدم نجاح “ثورة الأرز” في تحقيق آمال الناس وطموحاتهم وتطلعاتهم فتتأمن لهم الكهرباء والماء والنظافة والعمل والطبابة والتعليم والشفافية في إنفاق المال العام، فلا يعم الفساد كل مؤسسات الدولة وإداراتها ومن دون تأدية الخدمات التي هي من اولويات الناس رغم انفاق المليارات لتأمينها، لأن جزءاً كبيراً منها ذهب إلى جيوب المنتفعين والنافذين والسماسرة.

الواقع أن ما أوصل البلاد الى هذه الحالة المزرية هو انقسام اللبنانيّين بين 8 و14 آذار انقساماً عمودياً وأفقياً حاداً ولم يكن إيجابياً كما في الماضي تطبيقاً للنظام الديموقراطي. فلا 8 آذار وهي أقلية، وافقت على أن تتحمّل 14 آذار مسؤولية الحكم فتحاسب على أعمالها، حتى إذا تحرّك الشارع يعرف ضده من يتحرك، ولا كان في إمكان أقلية أن تحكم أكثرية، فكانت بدعة “الديموقراطية التوافقية” التي جمعت الأضداد والتناقضات في حكومة واحدة باسم “الشراكة الوطنية” وسميت زوراً وبهتاناً حكومة “المصلحة الوطنية” التي إذا اتفق أعضاؤها فإنهم يتفقون على المحاصصة، وإذا اختلفوا ألحقوا الضرر الكبير بالوطن والمواطن.

وهكذا مرّت السنوات العشر من عمر “ثورة الأرز” فكانت سنوات عجافاً ومواسم كساد وقحط في الرجال وفقر وحرمان وهجرة واسعة للبنانيّين. ولأن اللبنانيّين انقسموا بين 8 و14 آذار انقساماً سلبياً، فقد عجزوا عن تشكيل حكومات متجانسة ومنسجمة تلتزم تنفيذ بياناتها الوزارية، حكومات لم يتم التوصل إلى تأليفها إلا بعد أشهر بحيث يذهب ثلث أو أكثر من ولاية رئيس الجمهورية المحددة بست سنوات على حلحلة أزمة التأليف التي تبدأ بالخلاف على تسمية الوزراء الذين يمثلون هذا الحزب أو ذاك وهذا التكتل أو ذاك، وبخلاف أشد على توزيع الحقائب الوزارية بين وزارات سيادية ووزارات خدماتية ووزارات عادية، ثم بخلاف على قانون جديد يمكّن من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ولا يفرض هذا الخلاف التمديد للمجلس. وليت الخلاف وقف عند هذا الحد بل تجاوزه الى خلاف على انتخاب رئيس للجمهوريّة، وهو خلاف مستمر منذ سنة وخمسة أشهر وقد انعكس سلباً على عمل الحكومة وعمل مجلس النواب بحيث بات لا خروج من هذا الوضع القاتل الذي تضيع فيه المسؤوليات وتتعذر المحاسبة والمساءلة، إلا باتفاق القادة على أي نظام يريدون للبنان وأي دولة كي لا يظلوا يسألون عند كل أزمة حادة: لبنان إلى أين؟

هذا ما يجب أن تكون له الأولوية، حتى إذا ما انتخب رئيس للجمهوريّة يعرف اللبنانيون أي جمهورية يحكم هذا الرئيس، وحتى إذا ما خالفت الحكومات النظام والدستور حاسبها النواب، وإذا لم يحاسبوها حاسبهم الناس يوم الانتخاب.

لقد تبين ان “الديموقراطية التوافقية” التي تمثل كل القوى السياسية الاساسية في كل حكومة هي ديموقراطية ترضي الأحزاب والكتل لكنها لا ترضي الناس الذين ينتظرون الخدمات فلا تؤديها لهم، فضلا عن خلاف على السياسة الخارجية والدفاعية. والديموقراطية العددية يصعب تطبيقها في ظل الطائفية، وإلغاء هذه الطائفية صعب في ظل أحزاب طائفية لا بل مذهبية، ولا بد من تحويلها أحزاباً وطنية كما كانت في الماضي كي يصير في الإمكان تطبيق الديموقراطية التي تحكم فيها الأكثرية والاقلية تعارض، وإلا ظل الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي غير ثابت في لبنان، والخارج هو الذي يصنع له الرؤساء والحكومات.