IMLebanon

اتفاق فيينا وتعطيل مزاعم إسرائيل

لأنه تاريخي ومفصلي، فلا بدّ من التعامل مع اتفاق فيينا على هذا الأساس. في السنوات الأخيرة، ما من مسألة شكلت إزعاجاً وإحراجاً لإسرائيل بقدر ما شكل الملف النووي الإيراني الذي ضرب الاحتكار الإسرائيلي للقدرات النووية في الشرق الأوسط. إزعاج آخر لإسرائيل مصدره الرئيس الأميركي باراك اوباما المتحرّر من ضغوط اللوبي اليهودي في ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة، خلافاً للكونغرس حيث النفوذ الكبير لمجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل.

كما ان تل ابيب خسرت ما تمثله ايران من عدو «مثالي»، وبالتالي سقوط مقولة حماية إسرائيل لأمن اميركا واوروبا من خطر العضو الأبرز في «محور الشر» (سابقاً). فبعد تطبيع علاقات إيران مع العالم لم يعد في الميدان الاسرائيلي سوى «ارهاب» حماس، كما كان «إرهاب» فتح قبل اتفاق اوسلو. فبينما تخرج ايران من عزلتها الدولية، تزداد عزلة اسرائيل مع السياسة الصدامية التي يتبعها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في واشنطن ومع العالم.

اتفاق فيينا يستدعي قراءة جديدة لمضامين العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. السؤال البديهي في العلاقات بين الدول، خصوصاً عندما تكون غير متكافئة وأحد أطرافها دولة عظمى، كيف استفادت أميركا من العلاقة مع إسرائيل منذ 1948 الى اليوم؟ في الحروب العربية – الإسرائيلية، أنقذت واشنطن إسرائيل من هزيمة في حرب 1973، لا تقلّ فداحة في تأثيرها على إسرائيل، دولة ومجتمعاً، عن هزيمة العرب في 1967. وأدّى الدعم الأميركي لإسرائيل في 1973 الى حظر تصدير النفط وخفض إنتاجه وبالتالي ارتفاع أسعاره، ما تسّبب بأزمة اقتصادية عالمية.

وخلال الحرب الباردة لم يكن لاسرائيل اي دور محوري في حماية المصالح الاميركية وفي التصدي للاتحاد السوفياتي بالمقارنة مع دور ايران الشاه وتركيا والسعودية. وفي حرب السويس شنت اسرائيل ومعها فرنسا وبريطانيا حرباً على مصر، وأجبرت واشنطن لاحقاً الاطراف الثلاثة على الانسحاب. وفي حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي كانت إسرائيل عبئاً على إدارة الرئيس جورج بوش الأب الذي طلب من تل أبيب عدم الردّ على صواريخ صدام حسين ونالت بالمقابل منظومة «باتريوت» الدفاعية. وفي فلسطين شكّل الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات تحدياً مباشراً للرئيس اوباما ولأسلافه، الرؤساء كلينتون وبوش الاب وكارتر.

وبالمقارنة مع الدور الاستراتيجي للحلف الأطلسي، إسرائيل لا تقدّم ولا تؤخر في المعادلة العسكرية. ففي ليبيا مثلاً حسم الحلف الأطلسي المعركة في 2011 ولم يَستعن بإسرائيل.

وفي افغانستان، بعد الاجتياح السوفياتي في الثمانينيات، كان للتنظيمات الإسلامية الجهادية دور فاعل في المعركة التي أنتجت لاحقاً تنظيم القاعدة وحركة طالبان. وبعد اعتداءات 11 ايلول شنّت الولايات المتحدة حرباً على افغانستان ولم تنتظر دعم إسرائيل. وفي الحرب الدائرة على الإرهاب في العراق وسوريا لا حاجة لإسرائيل عسكرياً، الى جانب الدول الكبرى والدول العربية وتركيا وايران. اما ابرز خدمات اسرائيل للولايات المتحدة فتشمل الاستيلاء على اسلحة سوفياتية بعد حرب 1967 وتسليمها الى واشنطن، اضافة الى التعاون المخابراتي، وهو متاح لواشنطن بحكم العلاقات الوثيقة التي تربطها مع معظم دول المنطقة، والبعض منها يستقبل قواعد عسكرية اميركية.

ثمة فرصة متاحة لتبديل المعادلة الاستراتيجية القائمة التي تستغلّها إسرائيل منذ عقود لتبرير الدعم الأميركي، وهو دعم باهظ الكلفة اقتصادياً ومعنوياً، وغير مجدٍ عسكرياً وسياسياً. الكلام حول ديموقراطية اسرائيل وحالة «التوحّد» التي تعيشها وهي محاطة بأنظمة سلطوية، وأن إسرائيل مهدّدة من جيرانها، بينما هي الآن في قمّة تفوقها العسكري بعدما انهارت جيوش دول الطوق العربية أو هي محيّدة، مثلما هي حال مصر والأردن، لم يعد مقنعاً ولا يفي بالغرض المطلوب.

الفرصة متاحة بعد اتفاق فيينا لإسقاط مقولة قيمة اسرائيل الاستراتيجية بالنسبة الى الولايات المتحدة وتعطيل حججها المزعومة وابتزازها في حال استطاعت ايران أن تبني علاقة ثقة متبادلة مع واشنطن والدول الغربية، وهذا يقتضي استخدام طهران للنووي لأغراض سلمية. فمع ايران المحيّدة أو المتعاونة بالحد الأدنى وفي ظل تحالف واشنطن مع تركيا والسعودية وربما مصر والاردن، يمكن إسقاط الادعاءات الإسرائيلية وتعطيل الخرافة الشائعة بأن إسرائيل حاجة استراتيجية للدولة العظمى.

بعد اتفاق فيينا، الذي بدا مستحيلاً قبل إنجازه، يمكن استحضار خيارات تبدو مستحيلة الآن وقد تصبح ممكنة في الوقت والظرف المناسبين.