IMLebanon

إصابات الحروب باتت مستوطنة في العالم العربي!

نسبة هجرة الأطباء تبلغ 60 % في سوريا

لم يعد المفهوم التقليدي لجراحة الحروب المرتبط بنمط الحروب القديمة فعّالا، بل تتوافر اليوم حاجة الى مفهوم أوسع يلحظ، بالإضافة الى إصابات الحروب، الفضاء الحيوي والبنى التحتية والبيئات الحيوية والاجتماعية التي يعيش فيها الأفراد، والجروح المعنوية والاجتماعية والبيولوجية التي تسببها الحروب وهذا ما يضمنه مفهوم طب النزاعات. يشرح رئيس قسم الجراحة التجميلية في «المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور غسان بو ستة أنه بات من الضروري إعادة النظر في مفهومي الطب العسكري والإنساني وإدراجهما ضمن مفهوم طب النزاعات نسبة الى الحروب الحديثة وأثرها على الصحة العامة.

لا تنحصر إصابات الحروب، وفق أبو ستة، بإصابات الطلقات النارية، أو انهيار المباني، أو الحروق بسبب الانفجارات بل هناك إصابات حروب ثانوية مرتبطة بالعيش ببيئات معيشية صعبة مثل تعرض الأطفال في المخيمات الى ظروف غير آمنة، وإصابات حروب بالدرجة الثالثة المرتبطة بانهيار النظام الصحي وعدم القدرة على توفير العلاج لمرضى السكري والسرطان وفشل الكلوي وغيرهم.

في العالم، تحدث نسبة 28 في المئة من إصابات الحروب في العالم العربي، ما يشكل رقما كبيرا وضخما. يشير أبو ستة الى تسجيل 30 ألف إصابة في عام 2014 في العراق، والى أن عدد إصابات الجرحى في سوريا يبلغ ستة أضعاف عدد القتلى (وهذا معدل معتمد عالميا في الحروب)، والى وجود 30 ألف مريض فشل كلوي في اليمن، والى ان 200 نازح سوري في لبنان يعانون إصابة في النخاع الشوكي، نسبة 80 في المئة منهم أصيبوا في الحرب السورية.

من جهة أخرى، تكثر معدلات الإصابة بالسرطان في العالم العربي وإمكانية ربط هذه الزيادة بالأسلحة الحديثة المسرطنة، وترتفع نسبة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية (Multiple drug resistance) ومنها «Acinetobacter baumannii» بسبب تزايد عدد الإصابات والجروح وتطوير البكتيريا القدرة على مقاومة المضادات الحيوية.

يذكر الدكتور غسان أبو ستة أن الحصار الذي عاشه العراق فرض استيراد ثلاثة أنواع فقط من المضادات الحيوية، ما ساهم بتطوير البكتيريا قدرة على مقاومة المضادات الحيوية. ويسجل العالم العربي، خلال النزاعات التي يشهدها، حالات متقدمة من الأمراض غير الانتقالية مثل داء السكري وغيرها، ما يدّل على انهيار النظام الصحي. وتعاني خبرة الجراحة العسكرية الحالية نقصا في الممارسين، ومحدودية في القدرة على طبابة إصابات النزاعات. بلغت نسبة هجرة الأطباء، وفق أبو ستة، 60 في المئة في سوريا، و40 في المئة في ليبيا، وخمسين في المئة في العراق.

يشير الأستاذ في كلية العلوم الصحية في «الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور عمر الديو جي، الذي يشارك أبو ستة في إدارة برنامج طب النزاعات في «الأميركية»، الى أن الأنظمة الصحية في العالم العربي شهدت تغيرات عدة خلال النزاعات ومنها: انحسار قدرة الدولة على توفير حقوق المواطن في الصحة بينما كانت الصحة جزءا من حق المواطن في سوريا والعراق على سبيل المثال. وتسجل الدول العربية اليوم جغرافية علاجية مختلفة اذ أصبح الأفراد ينتقلون خارج بلادهم لتوفير العلاج، فهاجر خمسون ألف ليبي الى الأردن لتلقي العلاج، ويشكل اليمنيون نسبة 40 في المئة من المرضى في الأردن، ويهاجر العراقيون الى لبنان والهند. وبدأت بعض الدول مثل العراق واليمن والسلطة الفلسطينية بتأمين النفقات المادية لمواطنيها لتلقي العلاج في الخارج.

من جهة أخرى، يشير الديو جي الى تغير في عمل المنظمات الإنسانية، فأصبح البعض منها مسيسا ومرتبطا بأطراف النزاع، وتجاوز عمل بعضها تأمين الأدوية والعلاجات الأساسية لإنشاء مستشفيات علاجية مثل المستشفى الذي أقامته منظمة «أطباء بلا حدود» في عمان.

تدّل جميع هذه المعطيات، وفق أبو ستة، على أن إصابات الحروب أصبحت مستوطنة في العالم العربي، ما يوجب تطوير نظرة شمولية للعلاقة بين النزاعات والصحة العامة، اذ لا تنتهي آثار النزاع مع توقف إطلاق النار بل تستمر في البيئة المعيشية وتؤثر على الأنظمة الصحية والاجتماعية وغيرها، وما يتطلّب تغيير المناهج الأكاديمية الطبية لتلبي حاجات المجتمعات المحلية والتغيرات التي تعيشها بدل استيراد المناهج من الخارج، وما يؤكّد ضرورة بناء الاستراتيجيات الصحية وفق الخصائص الواقعية والمحلية، وأهمية إجراء البحوث العلمية في شأن إصابات الحروب.

يذكر أن مكتب المبادرات الصحية الاستراتيجية في «الجامعة الأميركية في بيروت» افتتح، أمس، المنتدى الدولي «إعادة بناء الصحة بعد النزاعات: حوار من أجل الغد» الذي تستمر أعماله حتى العاشر من الشهر الحالي. وأكّد رئيس «الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور فضلو خوري أن الصراعات في المنطقة أدت الى تدمير المرافق الصحية، والى استهداف المدنيين بنسب تساوي المجموعات المسلحة، والى انتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها والى انتشار سوء التغذية.

وأعلنت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان كريستينا لاسن موافقة الاتحاد الأوروبي على مساعدات للقطاع الصحي بقيمة 62 مليون يورو. وأكّد وزير خارجية فرنسا السابق وأحد مؤسسي منظمة «أطباء بلا حدود» برنار كوشنير ضرورة تأمين الرعاية الصحية للجميع من دون أي شرط.