IMLebanon

حروب أمجاد ماضية

تحت عنوان «إعادة إحياء الإسلام» الذي لا يخلو من الخبث، نشرت جريدة «لوموند» تقريراً عن عزم الرئيس فرنسوا هولاند تعيين جان-بيار شوفينمان رئيساً لمؤسسة تعنى بنشر الأعمال الإسلامية و«تسهيل تمويل المساجد وجعله أكثر شفافية». وجاء اختياره الرجل لأنه يتمتع بسمعة جيدة في العالم العربي فقد عارض بشدة الحرب على العراق، عندما كان وزيراً، وله علاقات قوية مع مسؤولين وأغنياء مسلمين، يستطيع من خلالهم تمويل نشاط هذه المؤسسة.

شوفينيمان تحمس للفكرة، على «صعوبة المهمة»، وسيسعى إلى إنجاحها بالتعاون مع مفكرين مسلمين ومؤسسات «مستقلة». ولنا أن نتصور عمله، وهو القادم من «الإستبلاشمانت» الفرنسية العريقة بعلمانيتها المتشددة. والصعوبة لا تكمن في نشر «الإسلام الصحيح»، على ما يزعم بعضهم، بل في السياسة العملية التي ينتهجها هولاند حيال العالم العربي، فقد سبق لغيره من الرؤساء أن استعانوا بمفكرين عرب (محمد أركون على سبيل المثال) وأئمة مساجد لتسهيل دمج المسلمين في المجتمع الفرنسي واستخدموهم لإطلاق مشروع طموح وتأسيس ما أطلق عليه «الإسلام الأوروبي»، لكن المشروع فشل، ومعه القائمون عليه الذين اتهموا بالخيانة وبالعمل على فصل الدين عن السياسة. وهذه تهمة عقابها حد الردة، في الأدبيات السائدة، وقطع الرأس في قوانين «داعش» و «النصرة»، وغيرهما من المنظمات الإرهابية.

ما لم يدركه هولاند وغيره من المسؤولين الفرنسيين أن لا علاقة لتعاطف المهاجرين، خصوصاً من المغرب العربي، مع الإرهابيين، بالإسلام كرسالة سيحاول شوفينمان إحياء «الصحيح» منها، بل للأمر علاقة بتاريخ فرنسا الاستعماري وإعادة إحياء هذا التاريخ من خلال السياسات التي تتبعها باريس في الشرق الأوسط حالياً. كتب الأكاديمي الفرنسي جيل كيبيل عن شباب مغاربة من الجيل الثالث في فرنسا يعادون الطبقة الحاكمة، ويشعرون «بوعي أو لا وعي بأنهم يخوضون معارك آبائهم وأجدادهم عندما هاجروا»، وقبل ذلك عندما كانوا في بلدانهم يقاتلون الجيش الاستعماري. ولا ننسى أن اليمين المتطرف، ممثلاً بـ «الجبهة الوطنية» يستعيد هذا التاريخ من خلال طرحه شعار «فرنسا الحقيقية»، أي الخالية من المسلمين. والأمر لا يقتصر على اليمين، بل هو موجود في صفوف الحزب الاشتراكي الحاكم. صحيح أن الحزب لا يطرح شعارات مماثلة، لكنه يستعيد التاريخ الاستعماري عملياً، فالحكومات المتعاقبة رفضت الاعتذار من الجزائر عن المجازر التي ارتكبها الجيش الفرنسي. ولا تترك معركة في الشرق الأوسط إلا وتكون في طليعة المحرضين على الحرب، وأول من يرسل الجنود لاستعادة النفوذ السابق (سورية وليبيا على سبيل المثال).

صحيح أن مسؤولية الإرهاب تقع على عاتق الجماعات الإسلامية التي تجند القتلة وسط المهاجرين، لكن الصحيح أيضاً أن الحكومات الأوروبية، خصوصاً الفرنسية، مسؤولة عن تدريب الإرهابيين وتسليحهم ودعم حروبهم «لنشر الحرية والديموقراطية»، معتقدة بأنها محصنة، وبأنهم سيحفظون لها ودها تجاههم.

مؤسسة شوفينمان لن تكون أفضل من غيرها من المؤسسات السابقة والحالية، ولن تستطيع «إعادة إحياء الإسلام» العلماني، على ما يطمح هولاند. فالمسألة سياسية، أولاً وأخيراً، والحل الوحيد في تغييرها داخلياً حيال المهاجرين، وخارجياً حيال الشرق الأوسط، ووقف تغذية الحروب وإشعالها لاستعادة أمجاد الماضي، فللإرهابيين أيضاً أمجاد يفخرون بها ويحاولون استعادتها.