IMLebanon

كُلّنا منال عاصي!

 

كلٌّ منا تعرّضت ذات يوم لعنف معنوي، أو كلامي أو حتى جسدي، وقابلَتْه بالصمت. الصمتُ المُبَرَّر اجتماعياً وعائلياً بالعبارة الشهيرة «عيب، اسكتي». فالتُهمة جاهزة لوَصم المرأة الضحيّة وطعنها بشرفها وإخلاصها، حتى من أقرب المقرّبين، وتبرئة الرجل المجرم المعتدي، وتصويره بصورة البطل المدافع عن شرف العائلة، والأب الحنون الحريص على مستقبل أولاده.

القانون اللبناني ينظرنا، نحن النساء، بعين نصف مُغمضة. يعدُّ الضحايا منّا، ضحيّة بعد ضحيّة، ويبتسم بسخرية ماكرة. هو يكره النساء، ويكره حقوقهنّ: من حقّ المرأة بالحماية من العنف الأسري، إلى حقّ المتزوجة من أجنبي منح أولادها الجنسية، مروراً بالاعتراف بالتحرّش الجنسي في أماكن العمل، وحقّ المطلقة بالوصاية على أولادها، وغيرها. حتى عندما يُحدّث القانون ويرتدي زيّاً «آخر موضة»، يجد ألف قناع كي يتنكّر به، ويُطبّق بطريقة ذكورية. في قضية منال عاصي، لبس القانون قناع خيانة زوجية و«نوبة غضب»: يحقّ للرجل الغاضب ما لا يحقّ لغيره، وتستحقّ المرأة الضحية الموت ميتة وحشية على يد زوجها. فهي خائنة، وهو غاضب حتى الضرب المبرح، والقتل بطنجرة الضغط، ثم «امتصاص الدماء من فم زوجته وبصقــها في وجه والدتها»، كما ورد في التقارير. هكذا حكمت القاضية في قضية منال عاصي، من دون أن تستمع إلى دفاع الضحية عن نفسها، ومن دون أن تأخذ في الاعتبـــــار سلــــوك الزوج العنفي، معيدةً بذلك إحياء قانون الشــــرف المُلغـــى منذ ٢٠١١ بأسلوب عصري متجدّد: نعم يحقّ لك أن تغـــضب وتقتل زوجتك بطنجرة الضغط، أو بالمــــقلاة، أو حتى بالمطرقة إن توافرت… اختر ما شئت واضربها، وتلذّذ بتذوّق دمائها الساخنة تماماً مثل قاتل بربــــري، فالقانون في صفّكَ. قانون الأحوال الشخصية متـــوارث من أيام جدودنا وقد بات من تراثنا اللبناني، ولن يتـــغيّر، بكفالة رجال الدين من الطوائف المختلفة، ومباركة أهـــــل السياسة والتشريع معاً. قانون «حماية النساء من العنـــــف الأسري» يُطبّق ذكورياً، في مجتمع تطلب فيه المرأة «الستر»، فتعنّف بصمت، وتموت بصمت، وتُدفن بصمت.

يبقى أن نسأل: أيّ مفارقة هذه أن تصدر قاضيتان امرأتان حكمين في قضيتين نسائيتين مفصليتين، يُعيدا المرأة إلى العصور المظلمة: قضية منال عاصي ومعها عودة إلى قانون الشرف، وقضية سميرة سويدان التي نَزع عنها حكم قاضية امرأة أيضاً حقّاً كان منحها إياه القاضي جون القزي في حكم سابق يقضي بمنح جنسيتها اللبنانية لأولادها؟ أليس في ظلم المرأة للمرأة قتلاً من نوع آخر؟

كلّنا منال عاصي وبغداد العيسى وبثينة الزين وصونيا ياغي بدرجات مختلفة. ما مُتنا بعد! قبورنا مفتوحة في انتظار الضربة القاضية. لن نطالب بقانون ينصفنا ويحمينا في مجتمع يؤلّه البطش والقوّة والقتل… لن نتظاهر، لن نرفض، لن نثور. سنموت بصمت. أليس هذا ما تريدونه؟!