IMLebanon

كان يجب أن تعرف أميركا والسعودية

كان يجب أن تعرف أميركا، عندما استعملت الإسلام قبل عقود لإخراج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان ولفرطه لاحقاً، أنها ستحقق هدفاً مرحلياً لكنها ستضع نفسها والعالم في خطر محدق. فتنظيم “القاعدة” الذي شاركت في خلقه ودعمه ارتدَّ عليها لاحقاً في أكثر من دولة ثم استهدفها مباشرة في 11 أيلول 2001 بضربة شبيهة بضربة بيرل هاربور. واستمرت اعتداءاته عليها. إلاّ أن فاعليته ضعفت بعد حرب أفغانستان (2001) ثم حرب العراق وجرّاء استمرار ملاحقته في العالم. لكنه لم ينته وخرّج من رحمه “داعش” وتنظيمات مشابهة له فاقته في القسوة والعنف والوحشية.

وكان يجب أن تعرف أميركا أيضاً ان ما سمّته إرهاباً مصدره الشرق الأوسط لأن الذين قاموا به فلسطينيون هُجروا من نصف بلادهم عام 1948 فحقدوا عليها لأنها سكتت على ظُلمهم وظالمهم، ولم تسع في البداية إلى حل منصف لقضيتهم، وعندما بدأت ذلك كان الوقت فات. ففلسطين احتُلت كلها واسرائيل صارت مقررة في ما يتعلق بها داخل أميركا. وكان يجب أن تعرف أميركا في الوقت نفسه، أن “الإرهاب الإسلامي” اليوم الذي تجاوز قضيته فلسطين، إذ صار هدفه إقامة “الخلافة” الإسلامية ونشر الدعوة في العالم، كان ظلم فلسطين وشعبها مقيماً في لاوعيه ولا يزال. وهو يعني أن “الخلافة” التي يسعى إليها هي التي ستحرر “الاقصى” وفلسطين بعد إقامة حكم الشرع في الدول المتواطئة مع الغرب عموماً وحتى مع إسرائيل. وكان يجب أن تعرف أميركا ثالثاً أن تردّد رئيسها باراك أوباما في التدخّل لحلّ الأزمة السورية بعد تحوّلها قمعاً من النظام للثوار ثم حرباً معهم، أو في دفع حلفائها في المنطقة إلى وضع خطة تنهيها قبل استفحالها وتحوّلها خطراً يهدّد العالم كما هو حاصل اليوم، أن هذا التردّد يجعلها مسؤولة عن الإرهاب الذي سيغزو العالم وعن عدم الاستقرار الذي سيتسبّب به مئات ألوف النازحين في كل مكان وصلوا إليه.

وكان يجب أن تعرف المملكة العربية السعودية حليفة أميركا منذ أيام مؤسسها المغفور له الملك عبد العزيز أنها بقلّة تبصّرها أو بعدم قراءاتها للأوضاع في المنطقة، وغياب الاستشراف المستقبلي عندها أو بثقتها المبالغ فيها بأميركا، أن “القاعدة” سيرتدُّ عليها. وقد فعل بعد نجاحه في أفغانستان، إذ دعا مؤسسه أسامة بن لادن إلى إقامة حكم الإسلام في جزيرة العرب، قاصداً بذلك تغيير الأنظمة الحاكمة فيها على رغم كونها إسلامية، اقتناعاً منه بأنها ابتعدت عن الإسلام الحقيقي، وخانت مبادئه التي كانت ترفعها ولا تزال تعلن تمسّكها بها. وكان يجب أن تعرف أيضاً أن نجاحها في مكافحة الإرهاب، بعد سنوات من التردّد في أعقاب “إرهاب” 11 أيلول 2001، وبعد ضغوط شديدة من حليفها الأميركي، “سيتلطخ” بعد بزوغ “الربيع العربي” ثم تحوّله حرباً أهلية ذات طابع مذهبي، فصراعاً مباشراً وقاسياً بل حرباً بالواسطة بينها وبين نظام الرئيس بشار الأسد والجمهورية الإسلامية الإيرانية. فهي انخرطت مع غالبية دول “مجلس التعاون الخليجي” في مساعدة الثائرين على النظام المذكور أياً تكن أيديولوجياتهم وخلفياتهم سواء مباشرة أو مداورة، وخصوصاً بعد اعتبار إيران ذات الطموحات الاستعمارية في رأيها حرب سوريا حربها وبعد تدخل روسيا مباشرة فيها. وصار الهدف منع الأسد من الانتصار أياً يكن محاربوه. أما المستقبل فيمكن معالجته. وكان يجب أن تعرف المملكة ثالثاً، ان اعتمادها بداية على حليفتها أميركا لمساندة الثورة السورية قبل “تحوّلها” إرهاباً، مشروع. لكن كان عليها أن تعرف ايضاً ان رئيسها رافض للتورّط ولإرسال جيوش، وأن مساعدة سوريا هو واجبها وواجب الدول العربية والإسلامية. إذ كان عليها أولاً توحيد المعارضة السورية ورعاية “الجيش السوري الحر” وربطهما ببعضهما وبمعارضة الداخل، ودفع الجميع إلى وضع خطة عملانية ومشروع سياسي وطني لسوريا. لكنها لم تقم بهذا الواجب. وبقيت معتمدة على واشنطن ومراهنة على تغيير موسكو موقفها، وعلى مبادرات أوروبا التي صارت فعلاً قارة عجوزاً “عسكرياً”. وكان يجب أن تعرف أن التدخّل الغربي والشرقي المسيحي في عالم الإسلام اليوم الذي يغزوه التطرّف والعنف والتكفير غير مجد ومرفوض في آن، وأن تدخّل المسلمين وحدهم عسكرياً وسياسياً يفيد. لكن هل تمتلك هي وشقيقاتها إمكانات هذا النوع من التدخّل؟

ماذا كان يجب أن تعرف أيضاً تركيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصر ونظام الأسد في سوريا؟ وماذا كان يجب أن يعرف لبنان دولة وشعوباً وأحزاباً صار أحدها قوة إقليمية؟