IMLebanon

كنا بغنى عن زيارتك .. سيدة لوبان  

ليس وحده الاشكال المفتعل في دار الفتوى اليوم الذي يبرر السؤال عن جدوى زيارة مرشحة اليمين المتطرف السيدة ماري لوبان الى لبنان. ثمة اسباب كثيرة. والواقع اننا لم نكن لنتوقف عند الموضوع اصلا، لولا تجاوز الضيفة المثيرة للجدل حدود اللياقة سواء في تنقلاتها او في مواقفها.

الإشكال في دار الفتوى مدبر من ألفه الى يائه. ونتائجه المرجوة في الانتخابات الفرنسية، او على الاقل في استطلاعات الرأي التي تسبقها، كبيرة بالنسبة لليمين المتطرف. فقد أرادت لوبان من حركتها الاستعراضية بعدم ارتداء الحجاب موقتا اثناء لقاء مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، توجيه رسالة الى المسلمين الفرنسيين بانها لن تخضع لما تفرضه عباداتهم وتقاليدهم، داخل وخارج فرنسا، ورسالة اخرى الى مناصري التطرف في بلادها، بانها المرأة الحديدية المنتظرة لانتشال فرنسا من الغرق في «الطوفان الاسلامي».

ولا نبالغ اذا قلنا ان كل الزيارة، خططت ودبرت، من اجل هذه الحركة الاستعراضية على ابواب دار الفتوى، وغدا ستثبت الصحافة الفرنسية ما نقول، لان العنوان الابرز الذي سيتصدر الاعلام الفرنسي هو:  لوبان رفضت ارتداء الحجاب.

السيدة لوبان ركزت في تصريحاتها على داعش وعلى الاصولية الاسلامية المتطرفة، فهل أرادت محاربة داعش في دار الفتوى؟ لا شك انها أخطأت العنوان بكثير من الفظاظة. وهي بالتأكيد لم تسمع ما قاله الرئيس سعد الحريري بالامس من ان المسلمين المعتدلين هم اول المتضررين، لا بل المستهدفين، من جماعات التكفير والارهاب والتطرف.

من حق لوبان أن تعبر عن رأيها السياسي في بلادها، وهنا ايضا في لبنان، ولكن عند زيارة المقرات الرسمية ينبغي مراعاة الاصول الديبلوماسية ولياقات الضيافة، فكيف تسمح لنفسها اطلاق مواقف، سواء بالنسبة للازمة السورية او الخطر على مسيحيي الشرق، انتقدها بشكل مباشر النائب وليد جنبلاط، ولكن لوبان التزمت بالديبلوماسية فقط في ما خص موضوع اسرائيل، فتجنبت اطلاق مواقفها المعروفة من دعم سياسات الاحتلال الصهيوني للاراضي العربية.

السيدة لوبان مرشحة حزب الجبهة الوطنية الى رئاسة الجمهورية الفرنسية على اساس برنامج يدك أسس هذه الجمهورية  قائم على على قاعدة خطاب عنصري صرف. ولطالما اطلقت  تصريحات مناهضة للمسلمين تربط الإسلام بالإرهاب، كما تدعو إلى إعادة المهاجرين إلى أوطانهم وفرض ضرائب على الصناعات والمحلات التي تستخدم عمالا أجانب، وتدعو الى إلغاء وحدة الحدود الأوروبية «شينجن» والعودة إلى الحدود الوطنية وعزل فرنسا عن محيطها والعالم بحجة ضبط الأمن، كما تدعو لطرد الطلاب الأجانب من الجامعات الفرنسية لكي لا يبقوا بعد دراستهم في فرنسا، وتقول إنها إذا أصبحت رئيسة ستعمل للخروج من منطقة اليورو للعودة إلى الفرنك الفرنسي.

اذا كانت زيارتها الى لبنان لاستمالة اللبنانيين حاملي الجنسية الفرنسية فهل يرضى هؤلاء في طعن الجمهورية التي احتضنتهم ورعتهم وعلمتهم في ظهرها من خلال نقض المعايير التي منحتهم الجنسية الفرنسية.

للمسؤولين اسبابهم في استقبال لوبان في المقرات الرسمية، وخصوصا بعد استقبال المرشح الاشتراكي، ولكن ما معنى هذه الحفاوة الزائدة بالضيفة المتطرفة في مقرات الاحزاب والبلديات، على قاعدة «الفرنجي برنجي»، حتى اتخذت الزيارة طابع السياحة المجانية.

أخيرا. وجهت السيدة لوبان دعوة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون لزيارتها في الاليزيه، بعد انتخابها. هذه الزيارة لن تتم لان لوبان لن تصبح رئيسة لفرنسا، فهذه الامة العظيمة، مرة أخرى، ستلفظ كل من يحرض على الكراهية والعنصرية، وحتى لو انتقلت مرشحة اليمين المتطرف الى الدورة الثانية، فان اليمين واليسار بمختلف تلاوينهما، سيجتمعون ضدها، مثلما فعلوا عام 2002 لاسقاط والدها، الذي، وبالمناسبة طردته السيدة لوبان من الحزب الذي أسسه.

فرنسا التي نعرفها ونحبها، هي وطن المفكرين والفلاسفة امثال مونتسكيو وروسو وفولتير وسارتر، وبلد القادة من أمثال شارل ديغول وفرنسوا ميتران.

سيدة لوبان كنا بغنى عن زيارتك.