IMLebanon

ماذا عن السلفية الجهادية في هولندا؟

توجد في هولندا أكبر جالية إسلامية بالنسبة لعدد سكانها. فهي تضم ثلاثة أرباع المليون من مجموع ستة عشر مليوناً. وأغلب المسلمين من أصول تركية ومغربية. 

وبدأت هجرة المسلمين إلى هولندا في بداية ستينات القرن الماضي، وتحديدًا من بلاد المغرب العربي، وكانت الحكومة الهولندية في ذلك الوقت تستقبل الأجانب من أجل العمل بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، ثم استقر المسلمون في هولندا بعد أن طالت مدة إقامتهم بها وبعد أن كان كل مسلم يصلي في بيته بدأت ثلة من الشباب المسلم في ذلك الوقت في التفكير بإنشاء المساجد، وأسس أول مسجد بمدينة أمستردام عام 1975 والذي يعد المسجد الأم؛ فمنه تفرعت جميع المساجد في هولندا، والتي وصل عددها الآن إلى 450 مسجدًا في أنحاء هولندا حيث توجد مساجد للمغاربة وأخرى للأتراك وثالثة للباكستانيين، وذلك لأن كل جالية تتحدث بلغتها؛ فالأتراك مثلا لا يفهمون اللغة العربية فكان لا بد أن يكون لهم مسجد تلقى فيه المحاضرات والخطب باللغة التركية وهكذا باقي الجاليات.

وبالإضافة إلى صعوبة تأقلم المهاجرين الموجودة في كل بلد غربي تواجه المهاجرين تحديات أولها هو التذويب في المجتمع الهولندي، إعجاباً بالثقافة الغربية، وانبهاراً بها أو حلاً لمشاكل الإقامة وصعوبة الهجرة عن طريق بيان أن المهاجر المسلم أكثر هولندية من الهولنديين، أو بحجة أنه مضطهد سياسياً أو فكرياً في بلاده، وأنه يطالب بحق اللجوء السياسي أو عن طريق الزواج من هولندية حتى يسهّل له الزواج حق الإقامة وحق العمل.

وتعود نشأة شبكات ومنظمات سلفية في هولندا إلى مطلع ثمانينات القرن المنصرم. بسبب هجرة النشطاء الإسلاميين من الشرق الأوسط إلى هولندا. وكانت جماعة «هوفتاد غروب«، أولى جماعات السلفية الجهادية في هولندا، وهي شبكة من المتطرفين الشباب، أدارها محمد بويري، وهو شاب هولندي من أصول مغربية اغتال المنتج السينمائي ثيو فان غوخ عام 2004. 

ونشطت في هولندا شبكات سلفية اخرى انطلاقاً من: مسجد «التوحيد» في أمستردام، ومسجد «السنّة» في لاهاي، ومسجد «الأوقاف/ الفرقان» في ايندهوفن. وتمحورت شبكة سلفية حول عائلة «سلام» في تيلبيرغ، وكانت هناك شبكة محيطة بالواعظ الديني عبدالله بوشتى.

وخلال السنوات التي أعقبت مقتل فان غوخ قام معظم الواعظين السلفيين بتهدئة خطابهم ومطبوعاتهم؛ حيث ندّدوا بأحداث أيلول والقاعدة والجريمة التي ارتكبها البيرومي والتفجيرات الإرهابية في مدريد العام 2004، ثمّ تفجيرات لندن العام 2005. كما دانوا الجماعات التي تقوم بتكفير المسلمين وأطلقوا عليهم «التكفيريين« أو «الخوارج«، حيث إنّ بعضَ التفسيرات السلفية تعطي للتكفير تبريرات لاستخدام العنف. إلّا أنّ المواقف المعارضة التي اتخذتها هذه المنظمات السلفية ضد التطرّف أدّت إلى تهميش بعض الشباب المتطرّف، وأحياناً مُنعوا من دخول المساجد أو تمّ تبليغ السلطات عنهم بسبب آرائهم الأصولية. 

وقامت جماعات سلفية عدة في هولندا بين عامي 2008 و2009، بنشاطات مكثّفة، مثل المناظرات المتلفزة، وبعض المقالات المنشورة عبر مواقعهم على الإنترنت. ولكن بعض الجماعات السلفية كانت ترفض حتى هذا المستوى المحدود من النشاط السياسي وكان أصحابها يسعون إلى الابتعاد من الحياة السياسية والتظاهرات قدر المستطاع رغم كونهم جزءاً من النقاش السياسي في هولندا، فباستثناء بعض المناظرات مع رجال دين مسيحيين. كانت معظم نشاطات الدعوة التي يقومون بها موجّهة إلى الجالية المسلمة ضمن فضاءاتهم الخاصة أو في المساجد. لمْ يكن السلفيون في هولندا قد شاركوا أو نظموا أي تظاهرة من قبل، كما أنّ المزيج المتكون من التفسير السلفي المتطرّف للإسلام ودعواتهم لتطبيق الشريعة كانَ ظاهرةً مستحدثة. 

وتجسيداً للظاهرة المستحدثة أي «السلفية الهولندية» التي تجاوزت مرحلة التعاطف مع النهج السلفي إلى المشاركة الفعلية في النشاط السياسي. برزت جماعات سلفية متطرفة، منها: جماعة «شريعة من أجل هولندا»، جماعة «خلف القضبان»، وحركة «سترات دعوة». وهي جماعات استغلت اجواء حرية التعبير للترويج لأفكارها. فعقد قادتها مؤتمرات صحفية ونظموا مظاهرات احتجاجية. كان لبعضها تبعات سياسية وامنية. ففي شهر يونيو (حزيران) من العام 2012 ألقت الشرطة الهولندية القبض على شاب مسلم، من مدينة «فوردن« بعد التصريحات التي أدلى بها في مؤتمر صحفي لجماعة «الشريعة من أجل هولندا« في «أمستردام«؛ حيث اتُّهِمَ الشاب بتهديد السياسي الهولندي رئيس حزب الحرية اليميني «خيرت فيلدرز«. فأثناء المؤتمر الصحفي شبه الشاب «فيلدرز« بـ«كلب الروم«، وأن المجموعة سوف تتعامل معه كما تم التعامل مع أمثاله.

وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام 2011، قامتْ منظمة «خلف القضبان« الهولندية بتنظيم تظاهرة، ضمت نحو ثلاثين شاباً وشابةٍ من الجالية المسلمة تظاهروا ضد قانون حظر النقاب الذي فرضتهُ السلطات الهولندية. جاء المتظاهرون من داخل هولندا ومن بلجيكا للتجمّع في لاهاي، مقر الحكومة الهولندية، وهمْ يحملون لافتات كُتِبَ عليها «ساعدونا، فهم يضطهدوننا«، «إيّاكم والإقتراب من نقابي، إنّ الدعارة جريمة«، «الله غالب على أمره«، «الحرية لا توزّع على المسلمين بالتساوي«. ومنظمة «خلف القضبان«، منظمة إسلامية تدعو المسلمين إلى التضامن مع المعتقلين المسلمين الذين تعرضوا للظلم. عُرفت المنظمة أيضاً بمعارضتها لقانون حظر النقاب، الذي اعتبرتهُ انتهاكاً لحرية المرأة المسلمة. 

وبعد هذه التظاهرة منظمة «خلف القضبان» بفترة وجيزة تأسست حركة «سترات دعوة«، التي يمكن ترجمتها حرفياً إلى «دعوة الشارع». أي نشر الدعوة الإ سلامية علانيةً لأول مرّة في هولندا، أي بمعنى، أنّ المسلمين كانوا يروّجون لتفسيرهم الإسلامي في الشارع الهولندي وهي سابقة تاريخية. 

وكانت أجهزة الأمن والاستخبارات الهولندية قد بدأت بمراقبة هذه الجماعات أواخر التسعينات، وهي خاضعة منذ ذلك الحين إلى الرقابة المستمرة لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). ومع حلول العام 2004 أخذ السياسيون الهولنديون وأجهزة الأمن يصنفون هذا التيار كتهديد للنظام الديمقراطي بسبب النهج العنفي لتفرعاته الأيديولوجية حول العالم. وتجدد الجدل حول الإسلام منذ بروز الحزب الشعبي المناهض للإسلام.

ولكن الجماعات غير العنيفة كانت تشكّل معضلة أيضاً حيث إنّ تقرير جهاز المخابرات المُعَنْوَن (المقاومة والمكافحة) أخضع السلفية إلى الرقابة الشديدة من قبل الأمن والصحافة وحتى الباحثين الأكاديميين. في المقابل وقعَ على القائمين على المساجد والأئمة ورجال الدين مسؤولية الوقوف علناً ضد التطرّف العنيف، وبالفعل قامت الجالية المسلمة في هولندا بحملة ضد التطرّف إلى جانب الحكومة الهولندية. 

وأخيراً، أعلنت وكالة الاستخبارات الهولندية، أنه «قام العديد من أعضاء التنظيمات الإسلامية مثل «شريعة من أجل هولندا» و»خلف القضبان» بالرحيل إلى سوريا للمشاركة في الحرب هناك بدعوى الجهاد». والسؤال المطروح راهناً هو هل يشكل الإعلان الاستخباراتي نعياً لظاهرة السلفية الجهادية في هولندا، وبالتالي ينحسر الجدل حول الإسلام والمسلمين لصالح تعزيز التسامح والحرية الدينية في المجتمع الهولندي؟