IMLebanon

ماذا بعد الاقتراب من المدار الروسي؟

الرئيس فلاديمير بوتين يدير في سوريا لعبة بالغة التعقيد مع أطراف محلية واقليمية ودولية مختلفة الأهداف والمصالح. وهو تخطى بقرار الدخول العسكري في حرب سوريا كل ما قيل عن أثمان سيدفعها. من الغرق في وحول افغانستان سورية الى خسارة العلاقات مع العالم الاسلامي السنّي. ومن الصدام مع أميركا وتركيا الى الخلاف الشديد مع أوروبا، وسط اقتصاد روسي ضعيف وأسعار نفط منخفضة. لا بل نجح في دفع الجميع تقريبا الى الاقتراب من موقفه والتكريس العملي للمثل الروسي القائل: مع الوقت كل الأشياء تعود الى مدارها الصحيح.

وليس أمرا عاديا أن يقترب أكثر من طرف، بالخيار أو بالاضطرار، من المدار الروسي. كان أول من اقترب منه، وان بقي على خلاف مع بوتين في النظرة الى مستقبل سوريا، هو الرئيس باراك أوباما. لا فقط حين تخلّى عن توجيه الضربة العسكرية التي هدّد بها واتفق مع بوتين على نزع السلاح الكيماوي السوري بل أيضا عندما ترك لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن يتلاعب بوزير خارجيته جون كيري في البحث عن تسوية سياسية. ثم جرّبت دول الخليج مساعي التفاهم مع موسكو قبل ان ينتقل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خصم أسقط طائرة روسية الى حليف يتفق مع روسيا وأميركا على التدخل العسكري المباشر في الشمال السوري، وتلعب بلاده مع روسيا وايران أدوار الدول الضامنة لمناطق خفض التصعيد.

ولم يتأخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التفاهم مع بوتين إلاّ بسبب التعقيدات الأميركية الداخلية. وهو وجد في قمة هامبورغ فرصة للموافقة مع بوتين على هدنة في الجنوب السوري. والمحادثات جارية حول هدنة أخرى في ريف حمص ودمشق. وليس قراره وقف المساعدات التي تقدمها المخابرات المركزية الى معارضين سوريين مختارين سوى خطوة رمزية.

وها هو الرئيس الفرنسي الجديد ايمانويل ماكرون ينتقد سياسة سلفه فرنسوا هولاند في سوريا ويقترب من المدار الروسي في محادثات قصر فرساي. أما بنيامين نتنياهو فانه يعترف بشنّ عشرات الغارات على قوافل سلاح لحزب الله في سوريا ب علم بوتين. وقمة البراعة أن يتمكن بوتين من اللعب مع ترامب وماكرون وأردوغان ونتنياهو والتحالف مع طهران ودمشق والكرد من دون فقدان العلاقات مع المعارضين للنظام في الداخل والخارج.

لكن سؤال ما بعد البراعة في اللعب هو: ماذا في جوهر اللعبة الروسية؟ ماذا بعد اكتمال المعركة مع دولة الخلافة الداعشية؟ وما هي الصورة النهائية لسوريا المقسمة حاليا الى حصص جغرافية؟