IMLebanon

ماذا بعد ترشيح فرنجية؟

جاء وقع ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية بمثابة الزلزال السياسي الذي بقيت تردّداته مكتومة نسبيّاً، والتي من المتوقع أن تتظهّر بعد سقوط هذه المبادرة أو نجاحها من خلال إعادة صياغة القوى السياسية تحالفاتها انطلاقاً من قاعدة أنّ ما قبل ترشيح فرنجية غير ما بعده.

الاتصال التشاوري بين الحريري وفرنجية حمَل أكثر من رسالة وتساؤل: ماذا يعني الكشف عن الاتصال في الوقت الذي جرى فيه التعتيم عن اللقاء بينهما؟ وما الهدف من هذا الاتصال؟ وما الرسالة التي أرادا توجيهها؟ وهل يمكن وضعه في خانة تأكيد الحريري استمرارَ دعمه لفرنجية على رغم موجات الاعتراض التي أعقبت ترشيحه له؟

وهل يندرج ضمن الاتفاق بأن يشكل الاتصال تبنّياً للترشيح ورمياً للكرة في ملعب «حزب الله» الذي عليه ملاقاة الحريري في منتصف الطريق ليتبنّى بدوره فرنجية؟ وهل يدخل في إطار الرسالة للعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع معاً بأنّ اتفاق الحريري-فرنجية ما زال ساريَ المفعول، وأنّ التشاور انتقل من الحريري-جعجع وعون-فرنجية إلى الحريري-فرنجية؟

وبمعزل عن هذا الاتصال ما زالت الأجواء بشأن المبادرة الحريرية متضاربة، فلا معلومات مؤكدة بسقوطها أو نجاحها، على رغم رغبة كلّ فريق بتعميم المناخات التي يتمنّاها، ولا يبدو لغاية اللحظة أنّ أحداً قرر خوضَ مواجهةٍ علَنية لإسقاطها أو هدم الجسور مع حليفه، ما يؤشر إلى أنّ العمل يتمّ وراء الكواليس أكثر منه في الإعلام.

فالجنرال عون ممتنع عن الكلام، والدكتور جعجع فضّل توجيهَ رسائل غير مباشرة إلى الرئيس الحريري من ملعب ١٤ آذار، مؤكداً على ضرورة أن ينسجم أيّ موقف مع ثوابت ١٤ في إشارة إلى أنّ ترشيح فرنجية يشكل خروجاً عن ثوابت هذه الحركة.

والنائب سامي الجميل قرر ملءَ الوقت الضائع بالتشاور مع «التيار الحر» و«القوات»، وما تسرب عنه من أجواء يفيد بوضع شروط «تعجيزية» لإقفال الطريق على ترشيح فرنجية، وذلك من قبيل الحياد وقتال «حزب الله» في سوريا وغيرهما.

ويمكن الجزم بأنّ كلّ بيئة ١٤ آذار صُدِمت بخيار فرنجية، ولكنها تتجنّب الصدامَ مع الحريري، وما ينطبق على هذه البيئة ينسحب على «المستقبل» الذي يريد التوفيق بين سلبيّتين: رفضه لفرنجية، ورفضه التهجّمات على زعيمه، باستثناء الوزير الجريء أشرف ريفي الذي تفرّد ومن موقعه التمثيلي الوزاري لـ«المستقبل» بمواجهة هذا الخيار، وهذه ليست المرة الأولى، حيث وقف قبلها في مواجهة خيار فريقه في التعيينات الأمنية.

وقد سادت حالة واسعة من التململ داخلَ البيئة السنّية التي لم تهضم خيارَ فرنجية، ومن المتوقع أن تتّسع هذه الحالة في حال استمرّ هذا الترشيح مُعلّقاً، ومن هنا تبدو مصلحة الحريري بحسمه سريعاً، لأنّ العدوّ الأول لهذا الخيار هو الوقت الذي يمكِّن القوى المعارضة له من توسيع رقعة اعتراضها وزيادة تأثيرها.

وتتفق معظم الأوساط على سقوطِ خيارِ فرنجية في حالتين أساسيّتين: تمسّك عون بترشيحه، ونجاح جعجع بإقناع الرياض بمساوئه، وفي ما عدا ذلك لا يبدو أنّ أحداً لغاية اليوم في وارد الدخول في مواجهة مباشرة مع هذا الخيار الذي ما زالت حظوظ تمريره أكبر من تجميده وتعليقه.

وأما لجهة الحالة الأولى فهناك مَن يقول إنّ «حزب الله» سيراعي موقف عون ويتفهّمه، ولكن ليس لدرجة الإطاحة بفرصة انتخاب فرنجية رئيساً، لا سيما في ظلّ استحالة انتخاب عون، وبالتالي لن يفوِّت على نفسه هذه الفرصة، فضلاً عن أنّ الغطاء المسيحي الذي يحرص عليه يستطيع أن يؤمّنه فرنجية كرئيسٍ للجمهورية داعمٍ لخيارات الحزب الاستراتيجية.

وعلى مستوى جعجع-السعودية من الواضح أنّ مبادرة الحريري تحظى بمباركة معيّنة وإلّا لتمكن رئيس «القوات» من الالتفاف عليها، كما أنّ الحريري لن يجازف بتبنّي ترشيح 8 آذاري فاقع لولا حصوله على ضوءٍ أخضر سعودي من ضمن تصوّر متكامل لعودته إلى لبنان من بابَي القصر الجمهوري والسراي الحكومي.

ويبدو أنّ الحريري يتّكئ على عاملين: قوة دفع سعودية، وغياب أيّ ممانعة دَولية في ظلّ الانشغال الدَولي بملفات أخرى، وترحيبه بأيّ تسوية في لبنان تمنع الانهيار وترسِّخ الاستقرار.

وفي الوقت نفسه يتجنّب أيّ انتكاسة في هذا الملف كفيلة بضرب صدقيّته ورصيده وإضعافه داخلَ بيئته، فيما عودته إلى لبنان من باب نجاح مبادرته قادرة على استيعاب موجات الغضب وردود الفعل ونقمة الشارع، وتكفي العودة في هذا الإطار إلى ردة الفعل السنّية السلبية لحظة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، وكيف تطبّع الشارع السنّي لاحقاً مع ميقاتي الذي نجح باستيعاب الوضع، بمعنى أنّ السلطة، خصوصاً في بلد مثل لبنان، تشكل مدخلاً لتبريد المناخات المتشنّجة.

ولكنّ السؤال الأساس الذي يطرح نفسه: ما الخطوة التالية لمختلف القوى السياسية في حال نجح فرنجية في الدخول إلى «بعبدا» أو لم ينجح؟ فهل تستمرّ التحالفاتُ السياسية على ما هي عليه وكأنّ شيئاً لم يكن؟ وهل يمكن الكلام بعد اليوم عن قوى ١٤ آذار؟ وما الذي يجمع بعد هذه القوى؟ وهل ستحافظ «القوات» على علاقتها مع «المستقبل»؟

وبما أنّ الأمور لم تُحسم بعد إيجاباً أم سلباً، لا يبدو أنّ أيّاً من الأطراف يريد اتخاذَ قرارات جَذرية من قبيل القطع مع حلفائه على رغم أنّ العلاقات أشبه بالمقطوعة، فضلاً عن أنّ العهد الجديد في حال سلكت الأمور طريقها سيفتح الباب حكماً أمام تحالفات جديدة.

وإذا كان من المتوقع أن ينجح «حزب الله» في إقناع عون بالموافقة ولو على مضض، وأن يتمّ التجاوب نسبياً مع شروط «الكتائب» التي ستدفعها إلى تأييد التسوية، فإنّ السؤال يبقى حول موقف «القوات». وفي حين يُرجّح أن تشارك في جلسة الانتخاب انسجاماً مع موقفها الرافض المقاطعة، فإنه يُرجَّح أيضاً عدم تصويتها لفرنجية انسجاماً مع قناعتها وثوابتها بعدم انتخاب أيّ شخص تتناقض معه وطنياً، الأمر الذي لا بدّ أن يتفهّمه «الرئيس العتيد» الذي كان قام بالدور نفسه لو كانت التسوية قد رست على جعجع.

ولكن ماذا بعد انتخابه، فهل ستقاطع «القوات» العهد الجديد، أم تشارك في أولى حكوماته؟ وعلى الرغم من أنّ فتح هذا الملف سابق لأوانه يُرجَّح أيضاً أنْ لا تعطي «القوات» لأخصامها ورقة عزلها أو تهميشها سياسياً، بل أن تعمد إلى المشاركة في السلطة على قاعدة الحفاظ على التوازن السياسي، ومحاولة التعويض عن الخلاف الوطني مع فرنجية بتوافقٍ مسيحي ينتج قانوناً جديداً للانتخابات يكون الرئيس عرّابه ويشكل مدخلاً لإعادة الوزن إلى التمثيل المسيحي، خصوصاً بعد انتفاء وجود الشريك الذي يحمل العنوان السيادي فعلاً لا في الشعارات، وانسجاماً مع البُعدَين اللذين رفعهما جعجع داعياً إلى النضال بالتوازي في سبيل تحقيقهما: البعد السيادي، والبعد التمثيلي، وبما أنّ ظروف المعركة السيادية غير مؤمّنة محلياً وخارجياً، لا بدّ من الانكباب على المعركة التمثيلية.