IMLebanon

ما هي الأهداف الحقيقية لزيارة هولاند؟

لماذا جاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى لبنان وما الدافع الى الزيارة؟

هذا السؤال يتردَّد منذ الإعلان عن زيارة رئيس الدولة الفرنسية للبنان، ذلك أنّ أسباب عدم القيام بالزيارة تبدو أكثر من تلك التي تُعزّز الزيارة، لذلك كثرت الأسئلة عن السبب والدوافع.

فمن العناصر التي تتعارض مع الزيارة:

غياب رئيس جمهورية في لبنان يستقبل نظيره الفرنسي،

غياب مبادرة سياسية فرنسية يحملها الرئيس الفرنسي لتشكل دفعاً لحلّ الازمة الرئاسية في لبنان،

غياب محفزات اقتصادية أو مالية أو ما شابه بحجم زيارة رسمية للرئيس الفرنسي.

صحيح أنّ ميدان الشرق الاوسط هو أحد ميادين التنافس الدولي، غير أنّ فرنسا غائبة عنه لأنّ اللاعبَين الكبيرين (روسيا والولايات المتحدة) لم يتركا لها دوراً، وهي أضعف من أن تستطيع بمفردها أن تنتزع كرسياً لها في المنطقة. فضلاً عن أنّ احتدام الصراع وانغماس القوى الاقليمية فيه بشكل حاد (ايران، السعودية وتركيا) لا يترك مكاناً للمسايرة الديبلوماسية. فهذه الاطراف تلعب على حافة الهاوية وتعتبر ما يجري في المنطقة مصيرياً بالنسبة إليها وبالنسبة إلى امتدادها الحيوي.

لذلك لن تجد فرنسا مَن يدعوها الى لعب دور من باب المبادرة الديبلوماسية. فلن تقدّم الزيارة دوراً لفرنسا على الساحة اللبنانية أو الشرق اوسطية، ولن تساعد في استرجاع نفوذ فرنسي يتراجع يوماً عن يوم في لبنان والعالم.

وما سيقوم به هولاند في لبنان، حسب البيانات الرسمية الفرنسية: «التعبير عن التضامن والوقوف الى جانب لبنان»، كان يمكن لسفارته في بيروت أن تقوم به لناحية خطابات الدعم والتأييد لاستقلال لبنان وسيادته والدعوة الى سدّ الفراغ الرئاسي، ودعوة اللبنانيين الى تحمّل مسؤوليتهم الوطنية، وغيرها من الخطابات التي اعتاد عليها اللبنانيون، والتي تعجز عن تقديم كأس ماء الى لبنان العابر في الصحراء.

وما يدعو أكثر الى التشكيك في أهمية الزيارة، وتبعاً لروايات ديبلوماسية، انها لم تكن اساساً مدرجة على أجندة الرئيس الفرنسي الذي كان ينوي في البدء زيارة سلطنة عمان الى جانب الاردن ومصر، غير أنّ مرض السلطان قابوس هو الذي بدّل مسار الرحلة الفرنسية في اتجاه لبنان.

طبعاً سيضاعف هولاند جهده خلال الزيارة للتشديد على تمسّكه بلبنان والصداقة الكبيرة التي تجمع البلدين، وعلى توسيع شبكة لقاءاته مع كلّ الاطراف، وعلى تأكيد دعم المؤسسة العسكرية ضامنة الامن والاستقرار.

سيرفع هولاند صوته عالياً، لأنّ الضجيج المرافق للزيارة يبدو أنه الأهم وأنه يشكل الهدف الاولي لها. فالمقصود أن يصل هذا الضجيج الى فرنسا. لذلك سيكون همّ هولاند الرئيس أخذ صور تذكارية مع النازحين السوريين وامام مساجد وكنائس بيروت لكي تنقلها الشاشات الفرنسية والاوروبية.

فالأوساط الفرنسية والأوروبية تهتم أولاً بقضية النازحين التي بدأت تلقي بثقلها على كلّ انتخابات سياسية في أوروبا وتدفع باليمين المتطرّف الى السلطة على حساب الأحزاب المعتدلة. لذلك فإنّ زيارة هولاند لبنان والأردن، البلدين اللذين يستضيفان النسبة الأعلى من النازحين السوريين، ستسمح لهولاند بأن يدّعي في بلاده سياسة استشرافية لهذا الموضوع.

فالأهداف الرئيسة غير المعلنة للزيارة لا يمكن رؤيتها إلّا من خلال ربطها باهتمامات هولاند هذه الايام وهي مستقبله السياسي. فشعبية هولاند هي الادنى لرئيس فرنسي خلال الجمهورية الخامسة، وذلك قبل عام من الانتخابات الرئاسية. فالحزب الاشتراكي الذي يستعدّ لاختيار مرشحه الى الانتخابات الرئاسية لا يريد هولاند مرشحاً لكي لا يخسر الانتخابات، والمرشحون للرئاسة ضدّ هولاند من داخل الحزب باتوا كثراً، فضلاً عن المرشحين من الاحزاب الاخرى.

كما تزداد الضغوط على هولاند لكي يقول هل سيترشح مجدداً للرئاسة. لكن إذا بقيت نسبة شعبيّته عند وضعها الحالي، فإنّ حظوظه بالترشح تصبح ضعيفة لأنّ حظوظه بالنجاح شبه معدومة.

لذلك فهو يأمل في أنّ ارتفاع صوته في لبنان ونشر صور له مع النازحين قد تساهم في الإيحاء بأنه يسعى لتخفيف أزمة النازحين الى أوروبا وأنه يضع فرنسا في مصاف اللاعبين في أزمة الشرق الاوسط. في اختصار زيارة هولاند هي جزء من حملته الانتخابية من اجل كسب بعض النسب الشعبية في استفتاءات الرأي علّ ذلك يسهّل موضوع إعادة ترشحه الى الانتخابات الرئاسية.

عميد كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية. مؤلف كتاب عن الدبلوماسية الفرنسية حيال لبنان