IMLebanon

ماذا حصل بين رفيق الحريري ومدير عام الاعلام السابق حول الطائف؟

العالم مأخوذ إلى إرهاب معولم بانفجارات تهزّه من ميونيخ إلى بغداد وقبلها مطار اسطنبول ونيس، ولبنان بعد أسبوع مأخوذ إلى حوار لثلاثة أيّام يتراسه رئيس المجلس النيابيّ نبيه برّي. نقيضان في الشكل والمضمون لا يأتلفان، وإذا فهم الأقطاب عدم الآئتلاف فالأجدر بهم أن يترقّبوا وعلى الرغم من الاستقرار المصطنع والمفروض من الدول على قاعدة الإمساك في غياب التماسك خضوع البلاد لهزّات كبرى تتفلّت تدريجيًّا في مخيميّ عين الحلوة والميّة وميّة وصولاً إلى جرود عرسال. وقد تنامى عبر معطيات بأنّ الخلايا الراقدة ما بين المخيمات وصولاً إلى الجرود تستعدّ من جديد لإخضاع لبنان لمجموعة عمليات انتحاريّة، أو وضع متفجرات تستهدف مراكز التجمعات الكبرى. وبرأي عدد من الأوساط الدارسة والعالمة بعمق، إنّ الخشية تتجّه بحال نجاح هؤلاء باصطياد الأمن من أعماقه بان يبلغ لبنان مرحلة يتوازن فيها عدم التماسك بعدم القدرة على الإمساك والضبط ومن ثمّ الانضباط، في لحظة صاخبة تمرّ بها المنطقة كما يمر بها العالم بفعل انتظاره الانتخابات الرئاسيّة الأميركية في تشرين الثاني المقبل، ويعرف الجميع، بأنّ السياسة الأميركيّة لا تزال مصرّة على الإمساك بالأمن ولكن إلى حين.

وتشير معلومات بأنّ السفيرة الأميركيّة الجديدة في بيروت أليزابيت ريتشارد، وخلال جولة التعارف التي قامت بها على عدد من المسؤولين السياسيين أبلغت رسالة واضحة بضرورة نجاح الحوار بين الأقطاب، والأميركيون على استعداد لمساعدة لبنان عسكريًّا وتسهيل بعض الأمور. لكنّ عددًا من المسؤولين استغربوا تلك الإيجابيّة الطيبة المتناقضة مع قرار الإدارة الأميركيّة بتشديد العقوبات المالية على حزب الله وهم المدركون بأنّ هذا الحزب جزء من النسيج اللبنانيّ وورقة ضاغطة ومؤثّرة بكل ما للكلمة من معنى في الداخل اللبنانيّ، وبفعل قتاله القوى والمنظمات التكفيرية في سوريا قد أمسى بدوره مالكًا لأوراق القوّة على مستوى المعادلة في المنطقة بل قد غدا قوّة إقليميّة لا يستهان على الإطلاق بدورها وحضورها.

لكن حين تطالب الولايات الأميركية المتحدة بواسطة سفيرتها الجديدة أليزابيت ريتشارد وقبل ذلك بواسطة القائم بالأعمال السابق ريتشارد جونز، الوصول نحو حلّ أساسه انتخاب رئيس للجمهوريّة فإنّ ذلك يجعل بعض المستنيرين في خشية من تفلّت الأمور بصورة مخيفة. فالأميركيون لا يتفوّهون بعباراتهم خلوًّا من فهم أو معلومات أو تخطيط او دراسة، وهم ارباب نظرية الاستقرار في الداخل اللبناني، كما كانوا خلال عهد جورج دبليو بوش ووزيرة خارجيّته كونداليزا رايس أرباب نظرية الفوضى الخلاّقة وهي هدّامة. وإذا تفوّهوا أشاروا ونبّهوا، بمعنى أنّهم يحاولون القول بصورة مباشرة إذا لم يتفق اللبنانيون على الطاولة فإنّ نظريّة الفوضى هي الرديف والبديل الخطير، بواسطة الخلايا النائمة، وهذا أخطر ما يواجهه لبنان بفعل تدفّق النازحين السوريين على أرضه، وتلك ورقة بدورها مستهلكة من المجتمع الدوليّ الذي وبدلاً من تخفيف العبء على لبنان يطالبه بتوطينهم وربما تجنيسهم على حساب التوازن الوطنيّ.

وبجسب بعض المصادر إنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي مدرك لما ينتظر لبنان في المراحل المقبلة، وفي مقال سابق تمّت الإشارة إلى عمق هذا الإدراك ومعانيه. غير أنّ المسألة ليست محصورة بيري او بوليد جنبلاط بل تعني كلّ القوى السياسيّة الملتئمة على طاولة الحوار لمدّة ثلاثة أيّام كما تعني من هم غير متحلّقين حولها ولكنهم معنيون بكلّ الاحتمالات المطروحة بل بكلّ ما يمكن أن ينتظر لبنان من اختلالات أمنية تصيب منه مقتلاً. الخطورة أنّ لبنان مكشوف بكلّ المعايير السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة، نظامه لم يعد متينًا بل هجينًا، مجوّفًا من ذاتيّته. وثمّة من يسأل كيف يمكن للبنان أن يمشي بهذا التصدّع الخطير من دون مجموعة إصلاحات تذكر؟ والإصلاحات ليست منفصلة ومنفصمة عن ما يحصل في المنطقة فعلى سبيل المثال لا الحصر، حين يطلب من سوريّا كتابة دستور جديد خلال الصيف الفائت فمعنى ذلك بأنّ المطلب الجذريّ تكوين أنظمة تتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة، مع محتوى الحلول السياسيّة التي تعقب خطاب الميدان الناريّ وكلّ ما يترتّب عنه من حسم.

…واللبيب من الإشارة يفهم. ما هو واضح أن لبنان كسوريا سيسير إمّا بتعديلات دستوريّة لطائف وضع لمصلحة السنيّة السياسيّة في لبنان. ويتذكّر مدير عام الإعلام السابق محمّد عبيد حديثًا بينه وبين المرحوم الرئيس رفيق الحريري بطلب من الأخير، عنوانه احتكار مجموعة أنطوان شويري للإعلانات في معظم المؤسسات المسيحيّة حتّى أصبح الرقم الصعب سواءً في الإعلانات أو على مستوى نادي الحكمة الرياضيّ الذي ترأسّه، وخلال رئاسته فاز بكأس آسيا وكاس الأندية العربيّة وهو بطل لبنان. يقول عبيد عن تلك المرحلة بأنّ الحريري ساله كيف يمكن كبح جماح أنطوان شويري ومجموعته وهو المهيمن الوحيد على المؤسسات الإعلاميّة الكبرى، لقد ربح كلّ شيء، فما كان من عبيد سوى إجابته يا دولة الرئيس إنّ شركات الشويري شرعية وحائزة على رخص من وزارة الإعلام، وعلاقته الاحتكاريّة بالوسائل الإعلامية المعنية من الـmtv  إلى المؤسسة اللبنانيّة للإرسال، فأجابه الحريري قائلاً: «يا محمّد شو باك الطائف انوجد إلنا»، فاستغرب محمد كلامه فقال: «عفوًا دولة الرئيس ماذا تقصد بأنّ الطائف وجد لنا؟» فأجابه: «أنوجد إلنا نحن المسلمين»، فاستهجن محمد طريقة الجواب فقال له «ولكن يا دولة الرئيس ماذا تفعل ببقية الناس والمكوّنات؟» فأجابه قائلاً: «الهيئة ما راح إقدر إتفق معك راح إحكي مع معلمك» وقصد «بمعلمك» الرئيس نبيه برّي، فقال له يا دولة الرئيس ان تريد أن تضعف المسيحيين وصولاً إلى إضعاف الشيعة في لبنان هذا لا يمكن أن يتم»، وانتهى الحوار عند هذا الحجم. الرئيس رفيق الحريري على حقّ حين قال هذا القول لأنّ التسوية بين سوريا والسعوديّة منحت السنّة امتيازات عديدة فجعلتهم وكما قال سيد المقاومة السيد حسن نصرالله الطائفة القائدة، وكما قال إيلي الفرزلي الطائفة المستولِدة للمسيحيين في كنفها.

طاولة الحوار ستنعقد على إيقاعات عديدة منها انكسار الأردوغانيّة السياسيّة في المنطقة، وما سيليها من تطورات حاسمة في الميدان السوريّ وبخاصّة في حلب، وستنعقد في ظلّ الانكشاف اللبنانيّ على كلّ المستويات. قد لا يتمّ الاتجاه إلى حسم العناوين بمجملها، ولكن العنوان الأبرز وقبل كلّ شيء الإقرار بأنّ الأزمة في لبنان وجوديّة، هي أزمة شراكة كما قال أيضًا إيلي الفرزلي وإذا كان لبنان يعيش أزمة شراكة فهو بدوره يعيش أزمة كيان ووجود ومتى عاش تلك الأزمة فهو قابل للنهاية العدميّة.

المجتمعون خلف طاولة الحوار إمّا أن يدركوا خطورة الواقع بالتماهي مع ما يجري في المنطقة، فيعمدون على إخراج تسوية جديدة تكون المقدّمة لحقبة جديدة أو الاعتراف بأنّ لبنان لا يمكن أن ينهض إلاّ بمؤتمر تأسيسي كبير بمشاركة معظم الأطياف والمكونات يقيمه من كبوته العدمية والسحيقة.