IMLebanon

ماذا بعد حلب؟

الماضي انتهى. بداية جديدة، يجب أن تبدأ مع سقوط حلب. لم يعد مهماً عدّ أيام المقاومة اليائسة والخسائر المتزايدة. ثبت اليوم قبل الغد، أن مرحلة «الفصائلية» الفاشلة، قد سقطت مع خسائر كارثية. قاتلت الفصائل التي كانت تفرخ مثل الفطر، بعضها البعض أكثر مما قاتلت جيش الأسد. تقاتلت الفصائل فيما بينها على كل شيء، من الأرض والشوارع والحارات إلى الالتزام فالاستزلام للقوى الخارجية. العديد من المعارك «الفصائلية» الطاحنة، كانت لتسجيل «الحاضن» نقاطاً لمصلحته أمام الآخرين، التي لم تكن يوماً الخسائر طوال سنوات أربع مهمة لها. أكبر الأخطار التي وقعت ضدّ الثورة، ولدت ونمت وتضخّمت مع الفصائل الكبرى والصغرى الموزّعة على الأحياء والشوارع والزواريب. تحوّلت الثورة إلى «حروب أهلية» دامية.

نجح «النظام الأسدي»، برعاية وحماية وتغذية إيران وروسيا له، في تحقيق هدف وضعه ونفذه بلا رحمة في «جزأرة» سوريا (أي تطبيق التجربة الجزائرية

في «العشرية السوداء» ضدّ الإسلاميين). اعتمد «النظام الأسدي»، على قضم وهضم كل ما يطلق عليه «سوريا المفيدة»، على غرار «الجزائر المفيدة». أي مدينة بعد مدينة. حالياً الجيش يسيطر على حمص وحماة ودرعا ودمشق والجزء الأكبر من حلب. يمكن للأسد الآن كما فعل الجنرالات الجزائريون، تثبيت وجوده ومتابعة قضم وهضم الأرياف.

جيش الأسد اليوم باعتراف المعارضة أصبح 275 ألف جندي. أي أكبر من عدد قوات الفصائل المجتمعة بكثير. وهو مدعوم من «الحرس الثوري» الإيراني الذي تبيّن أن خسائره كبيرة تتجاوز الألف قتيل وليست عدداً من الجنرالات فقط. وهذا الجيش مدعوم إلى جانب «الحرس«، بقوات «حزب الله» والميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية، وهيمنة جوّية روسية كاملة، مع عمليات قصف غير محدودة، شملت تجربة ميدانية لأسلحة لم تُختبَر من قبل، هدفها إحداث أكبر خسائر ممكنة ضدّ المدنيين والبُنى التحتية.

حسم معركة حلب لن يحسم الحرب في سوريا. هناك معارك أخرى عديدة، تتجاوز نجاحات «الجزأرة». المشكلة الأساسية أن الرئيس بشار الأسد يريد أن يحسم عسكرياً، وهو يعتبر أن «اتفاق جنيف« انتهى. إيران تدعمه في هذا الخيار تحت شعار عدم تقسيم سوريا والمحافظة على وحدتها. الأسد سيتابع الحرب للسيطرة على الأرياف بعد «تطهير» المدن من المقاتلين. بدورهم المعارضون الوطنيون لن يسلّموا ويستسلموا، لأن الآخرين يخسرون من أموالهم وبعض طموحاتهم أمّا هم فإنهم يخسرون وجودهم وسوريا التي يحلمون بها أرضاً حرّة ذات سيادة كاملة.

قيادات وطنية سورية قدّرت منذ اعتبرت إيران – خامنئي «ان سقوط الأسد يعني سقوط الضلع السوري في «مثلث المقاومة» ممنوع وخط أحمر«، أن الوضع خطير وهو سيزداد خطورة مع دخول روسيا الحرب على قاعدة أن سوريا تشكّل «الحلقة المركزية من استراتيجيتها الشرق أوسطية»، عملت على مراجعة الماضي والحاضر معاً. وهي ترى اليوم أنه يجب:

[ إعادة تنظيم الثورة، بالبدء من صيغة «أن الأمل ما زال قائماً وممكناً، وأنه لذا يجب إعادة تنمية وتصعيد استثمار نقاط القوّة القديمة وإسقاط نقاط الضعف.

[ ان البداية تكون بإعادة تنظيم القوى الوطنية في «جيش وطني»، عبر توحيد المنظمات جهودها، تضم «قوات ثابتة وقوات دفاع متحرّكة على مستوى القرية وصولاً إلى المنطقة«.

[ انه يجب وضع خط سياسي وقيادة تضم مكتباً سياسياً موحّداً من جميع القوى والطوائف، وأن يقدَّم كل ذلك على خطة وطنية للقتال، تستند إلى توحيد «خزينة» الثورة مما يخفض التشتّت الفصائلي عبر التشتت المالي وتعدّد الولاء الخارجي.

[ يجب قراءة التجارب الثورية القديمة والجديدة منها. لا شيء يمنع لا بل يجب الأخذ من التجربتين الفيتنامية واللبنانية. تجربة «الفيتكونغ» التي اعتمدت النفَس الطويل من تحرير بؤر إلى مناطق والقتال لإرهاق العدو، وذلك في شنّ عمليات عسكرية محدودة إلى الشاملة. أيضاً وهو مهم جداً أنه حان الوقت للاستفادة من تجربة لبنان في المقاومة سواء مع المقاومة الوطنية أو حتى «حزب الله» ضدّ إسرائيل، عبر اكتساب الأرض وتثبيتها وتطويرها من أجل شنّ عمليات خاطفة ومكلفة وصولاً إلى تحرير المدن.

ما يرفد مثل التغيير وهذا التوحيد أن الثوابت في منطقة الشرق الأوسط محدودة في حين أن المتغيّرات عديدة ومتوالدة. من ذلك أن الوضع الاقليمي مفتوح على احتمالات كثيرة مع انتهاء «المرحلة الاوبامية» وبدء «المرحلة الترامبية». وإذا كانت الأولى جرت باسم عودة أميركا إلى الداخل وعدم خوض أي مواجهة خارجية، قد أنتجت انعزالية وعدّة كوارث، فلا أحد يستطيع أو يمكنه تقدير ما ستحمله «السياسة الترامبية» من عوامل قوّة نتيجة لخطوط حمر يتم وضعها منذ الآن أمام إيران، أو من كوارث نتيجة لتعاون أميركي – روسي لا يمكن تحديد أطره على الرغم من ترحيب «القيصر» الروسي بالرئيس المُنتخب ترامب، خصوصاً أن التعيينات العسكرية والأمنية للقوات المسلحة والمخابرات والأمن القومي، معبّأة بقوّة ضدّ انعزال أميركا العسكري في العالم.

يبقى سؤال كبير ان الطرح الجديد لاستعادة الثورة التي «سُرقت» منذ بداياتها، تحتاج إلى قيادة «غير مريضة بإمراض التجربة الماضية«، وهذا السؤال مرفود بسؤال أكثر خطورة: هل تسمح القوى الخارجية بتحرّر قوى سوريا الداخلية منها؟