IMLebanon

ماذا بعد تفجيرات مطار إسطنبول؟

هل يمكن أن يكون هناك رابط بين التفجيرات الانتحارية الإرهابية التي وقعت في مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول مساء الثلثاء الماضي، وبين ظهور البوادر الأولى لعودة المياه إلى مجاريها في العلاقات التركية – الروسية؟ ومَن المستفيد من زعزعة الأمن والاستقرار وضرب الاقتصاد في تركيا والزج بها، وهي الدولة التي ترأس منظمة التعاون الإسلامي في هذه المرحلة، في مستنقعات الفوضى؟ ومَن الرابح من استمرار القطيعة بين موسكو وأنقرة، وقطع الطريق للوصول إلى تفاهمات بين الدولتين قد تنعكس على موقفيهما إزاء الأزمة السورية؟ وهل مَن وقف وراء تلك التفجيرات التي هزت أكبر مطار دولي في تركيا، هو تنظيم داعش، أم هو حزب العمال الكردستاني الذي يعارض النظام ويحمل السلاح في وجه الدولة التركية، أم هو الحزب الكردستاني الديموقراطي السوري الذي له ارتباط قويّ به؟ وأين يقف نظام بشار الأسد من هذه العمليات الإرهابية التي ارتفعت وتيرتها في تركيا وبلغت ذروتها في تفجيرات مطار أتاتورك الدولي.

إن المتأمل في هذا كله يرى أن من مصلحة النظام الطائفي الدموي في سورية أن تنفجر الأوضاع في البلد الكبير المجاور له، انتقاماً منه لوقوفه إلى جانب المعارضة السورية، حيث إن من مصلحة نظام الأسد الطائفي الإجرامي أن لا تستقر المنطقة، بينما سورية تحترق وتتناثر شظاياها. فهذا النظام الإرهابي يريد أن يمتد الحريق إلى دول المنطقة كافة، لا فرق بين واحدة وأخرى، حتى يتساوى الجميع في الانهيار تحت مطارق الإرهاب الذي يصنعه هو وحليفته الأولى ومن ورائهما إسرائيل، تحت مسميات عدة.

إن ما حدث في مطار أتاتورك الدولي هو عنوان لتحول خطير تشير إرهاصات كثيرة إلى أنه لن ينتهي في المدى القصير، وإلى أن سلسلة استهداف تركيا خلال هذه السنة والسنة التي قبلها، لن تتوقف حلقاتها، وأن الإرهاب المجرم الذي ضرب أنقرة وإسطنبول وباريس وبروكسيل ووصل إلى الولايات المتحدة الأميركية، لن ينتهي أمره، ولن يخلص العالم من أخطاره وتهديداته، ولن يعود الأمن والسلم إلى هذه المنطقة، ما دام الإرهاب يصول ويجول تحت أنظار مَن يفترض فيهم أن يكونوا في طليعة المحاربين له حتى ينقطع دابرُه ويُجتث أصله.

وليست تركيا وحدها التي تواجه التحديات الإرهابية الخطيرة، فالمنطقة كلها دخلت اليوم مرحلة شديدة الخطورة، في ظل حالة عدم اليقين التي تسود الأجواء، ويتعذر معها التنبؤ بما سيقع، لأن احتمالات الخطر الداهم قائمة لا سبيل إلى التقليل من شأنها، ولأن الغموض يلف السياسة التي تنهجها القوى العظمى، إنْ على الصعيد الإقليمي، أو على الصعيد الدولي، بحيث يصعب فهمُ الأهداف التي تسعى إليها، والتي تحدد في ضوئها المواقف التي تتخذها.

هذه الحالة من عدم اليقين التي تهيمن على المنطقة، تنعكس سلبياً على مجمل السياسات المعتمدة والمواقف المتخذة والخطط المرسومة، مما يزيد في قتامة الوضع، وفي انسداد الآفاق، وفي انعدام الرؤية، مما يؤكد أن إطلاق تنظيم داعش الإرهابي كان الهدف منه الوصول إلى هذه الحالة المريبة الغريبة. فمن غير المعقول أن يمتلك التنظيم/اللغز هذه الإمكانات والوسائل والخبرات والأموال لتفجير الأوضاع في الشرق والغرب على هذا النحو، ولإفشال جهود ما يسمى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وتعطيل فعالية ضرباته الجوية؟

لو كانت القوى العظمى تتعامل مع الأزمة السورية بالشفافية وبالوضوح الكامل، وبمنطق سياسي سليم، وباحترام كامل للقانون الدولي، لما كانت الحالة قد وصلت إلى هذه الدرجة من التردي الخطير للأوضاع، ولما وقع هذا الخلط في الأوراق، ولما ساد هذا الغموض الكثيف الذي يلف السياسة الدولية خلال هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها العالم، ولما كان «داعش» يتربع على قمة الإرهاب في أمان واطمئنان، غير عابئ بالتحالف الدولي الذي صار هو الآخر لغزاً يستعصي على الفهم.

إن التفجيرات الإرهابية التي وقعت في مطار أتاتورك الدولي سيكون لها ما بعدها، وستترتب عليها انعكاسات شديدة الخطورة قد تمتدّ إلى خارج تركيا. فليست الدولة التركية وحدها المستهدفة، وإن كانت تمثل أحد الأهداف الرئيسة لمخطط الشر الذي يجري تنفيذه بدأب وإصرار. ولن يكون مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول، هو الهدف الأخير، ولا الذي سيعقبه، فهذه حرب مشهرة على كل الدول المستقرة التي تعي ما يحاك لها من دسائس، وما يُرتب لها من مخططات. ولا بد من أن يؤخذ هذا الوضع المتأزم في الاعتبار، وأن تنسق هذه الدول ســياساستها، وأن يتعزز التعاون الاستراتيجي بينها لمحاربة الإرهاب الحقيقي، لا الإرهاب الافتراضي الوهمي.

إنني لا أتوقع أن تغيّر الولايات المتحدة الأميركية سياساتها الغامضة والمترددة تجاه ما يجري في المنطقة من أحداث جسام، ولا أن تتراجع روسيا الاتحادية عما حققته من مكاسب سياسية واستراتيجية، وهنا مكمن الخطر الذي يتيح لإيران وصنائعها، ولإسرائيل تحقيق ما تصبوان إليه من توسع وهيمنة. وما لم تتحرك القوتان العظميان في الاتجاه الصحيح، إعمالاً لميثاق الأمم المتحدة، باعتبار أنهما تتحملان المسؤولية لحماية الأمن والسلم الدوليين، فلن ينتهي مسلسل الإرهاب، ولن تهدأ الأحوال في المنطقة، وستبقى شماعة الإرهاب ذريعة لكل من له غرض في ضرب المسلمين، وتشويه الإسلام، وتمزيق أوصال العالم الإسلامي.