IMLebanon

ماذا لو طلبت الرياض من نتنياهو رأس حزب الله؟

ستنتهي القمة العربية بقراراتها التي لا تساوي «الحبر» الذي كتبت به، كما سابقاتها من قمم تحولت الى مجرد محطة رسمية عربية معبرة عن حالة الوهن والانحطاط العربي المستديم، واذا كانت لازمة وصم حزب الله بالارهاب «جملة» دائمة الحضور في الاونة الاخيرة، في قاموس الدول الخليجية المهيمنة على الواقع العربي، واذا كان «تحفظ» لبنان الرسمي «لزوم ما لا يلزم»، فان ثمة متغيرات اقليمية شديدة الاهمية ستطل برأسها في المرحلة المقبلة وستضع الساحة اللبنانية مجددا امام اختبارات قاسية ومن غير المعلوم ما اذا كان بالامكان تجنب الخضات السياسية، وربما الامنية التي بات «شبحها» يظلل لقاءات بعض الدبلوماسيين الغربيين والعرب مع ساسة لبنانيين، بما يشبه عملية «جس نبض» يقوم به هؤلاء لتكوين «صورة» اولية عما ستكون عليه تداعيات تلك الاستحقاقات…

اوساط دبلوماسية في بيروت تتحدث عن مسألتين جوهريتين تحتاجان الى متابعة دقيقة في المقبل من الايام والاسابيع، الاولى تتعلق بسباق مع الوقت تقوم به جهات اقليمية بالتعاون مع الاميركيين لاجراء فصل جدي بين «جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة»، اما المسالة الثانية فتتعلق «بالهرولة» السعودية نحو تطبيع العلاقات مع اسرائيل. والسؤال يتفرع هنا نحو شقين الاول يرتبط بمدى قدرة الفريق السياسي اللبناني»التابع» للسعودية في اجراء «فك ارتباط» مع الرغبات السعودية التطبيعية، اما الشق الثاني فيتعلق بالثمن الذي تطلبه السعودية من اسرائيل للتسريع في عملية التقارب؟ هل المسألة مرتبطة فقط بتسوية صورية في الملف الفلسطيني؟ ام يكون «رأس» حزب الله هو الثمن؟

وفي هذا السياق تدعو تلك الاوساط الى عدم التقليل من المخاطر المرتبطة بالتحول الاستراتيجي السعودي، فالرياض حسمت خياراتها وتعتقد انها تخوض حربا «وجودية» مع ايران، وتحتاج الى الانتصار فيها لان الخسارة تعني انهيار المملكة، وفي ظل انعدام الثقة «بالشريك» الاميركي، وبعد رهانات فاشلة على ادارة الرئيس باراك اوباما، وفي ظل تعاظم الشكوك حول امكانية الرهان على هيلاري كلينتون او دونالد ترامب، تبقى اسرائيل الشريك الموثوق به الذي تجمعه مع قيادة المملكة «مصيبة» «الخطر الايراني، والعدو «اللدود» حزب الله، ومن هنا تتولد «الافكار» «الشريرة» حول ما يمكن ان تطلبه الرياض من حليف «المصلحة المشتركة» كخطوات لبناء الثقة…

وتتلاقى هذه المخاوف الجدية، مع استراتيجية «عين لا تنام» المعتمدة من قبل حزب الله على طول الجبهة اللبنانية والسورية في مقابل «اليقظة» الاسرائيلية المتواصلة على الجبهة الشمالية، فعلى الرغم من غياب المنطق السياسي او المصلحي او حتى العسكري الاسرائيلي في الدخول بمغامرة جديدة ضد الحزب في هذه المرحلة، فان هامش الحسابات الاسرائيلية الخاطئة يبقى قائما في عقلية وتفكير قيادة المقاومة التي تنظر بعين الريبة للتقارب السعودي – الاسرائيلي، وهذا ما يفسر بقاء حالة «التأهب» المحسوب على طول الحدود مع الاستمرار في ارسال الاشارات «الردعية» لاسرائيل، سواء في الميدان، كما حصل قبل ايام عبر «الطائرة المجهولة» التي خرقت اجواء فلسطين المحتلة انطلاقا من الجولان، او عبر التصعيد الكلامي وتذكير الاسرائيليين بمعادلة الردع وتوازن الرعب…

وتلفت تلك الاوساط الى ان الظروف الراهنة تعتبر اكثر سوءا من الوضع العربي ابان حرب تموز عام 2006 فما كان حينها يجري «تحت الطاولة» نراه اليوم دون «خجل» او حياء»، فالوفد السعودي برئاسة انو عشقي يجول في اسرائيل وينقل «رسائل» واضحة برغبة المملكة في التطبيع، وهذه المحادثات ليست الا «رأس جبل الجليد» السياسي لتعاون امني بات متقدما جداً بين البلدين.. اما حين يكون أبرز منجزات أمين الجامعة العربية الجديد احمد ابوالغيط  إنه تعهد يوما ما حينما كان وزيراً للخارجية بقطع رجل أي فلسطيني حال تجاوزه معبر رفح، في ظل الحرب الاسرائيلية على غزة، فان «المكتوب يقرأ من عنوانه»، الرجل صديق للإسرائيليين ولا يخجل من المجاهرة بذلك، وهو فاخر يوما بانه إفشل دعوة انعقاد القمة العربية لوقف العدوان على غزة…اما مصر فتتجه بسرعة قياسية نحو «السلام الدافىء» مع اسرائيل، زيارة وزير خارجيتها سامح شكري حملت مؤشرات سيئة جداً، فهي اولا تمت في المكان الخطأ، في مدينة القدس التي تتمسك اسرائيل بها «عاصمة أبدية موحدة للدولة اليهودية»… فهل هناك اكثر سوءا من «رسالة» مماثلة؟ خصوصا ان هذه الزيارة احيطت بأجواء «حميمية» على نحو مبالغ فيه، اذ تقصد المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية الكشف أن نتنياهو «استضاف وزير خارجية مصر في منزله في القدس، وتناول العشاء معه هناك، ثم شاهدا معا مباراة نهائي كأس أمم أوروبا»…

وتبقى المعضلة الثانية التي لا تقل خطورة عن الاولى، محاولة السعودية بالتعاون مع الاميركيين «تلميع» صورة «جبهة النصرة»، وهذا ما سيطرح ايضا تحديا اضافيا على الساحة اللبنانية المقبلة على استحقاقات داهمة لمواجهة المد التكفيري المرتقب، فاذا نجحت تلك القوى في عملية الفصل، سينتقل الخلاف مجددا الى الساحة اللبنانية وستتعرض الحكومة لهزة شديدة بفعل غياب القراءة الموحدة بين فريق 14 آذار وفريق محور المقاومة حول التصنيفات الارهابية وهذا ما سيضع الجيش امام معضلة صعبة في مواجهة الانقسام السياسي.

وبعض المؤشرات الدالة على هذا الامر ترتبط بدعوة مدير الأمن القومي الاميركي جيمس كلابر، قبل ايام الى عدم «المبالغة» في تصوير خطر «جبهة النصرة»… وفي ضوء هذه المعطيات يجري الحديث في أوساط «النصرة» عن فك الارتباط مع تنظيم «القاعدة»، ووفقا للمعلومات فان نحو ثلث افراد «الجبهة» مستعدون للتخلي عن «الإرهاب»، وقد عبر «اميران» عن استعدادهما لفك العلاقة مع «القاعدة» الأم وهما ميسر علي موسى الجبوري، النائب السابق لزعيم الحركة، وعبدالله السندي، أمير حلب اللذان يحضران للإعلان عن «الحركة الإسلامية السورية»، وثمة من يسوق اليوم لمقولة ان «النصرة» على ارتباط اسمي «بالقاعدة» وليس ايديولوجياً وأن معظم مقاتليها من الموالين «للثورة السورية» وليس للتنظيم «الام»…

انطلاقا من هذه المستجدات يمكن فهم حالة «الاستعصاء» في ايجاد المخارج والحلول للازمة السياسية على الساحة اللبنانية، ثمة من في تيار المستقبل يدعو الى التريث وعدم تقديم التنازلات للفريق الاخر، هؤلاء يرون ان ابقاء لبنان على «رصيف الانتظار» افضل بكثير من الذهاب الى تسويات بالشروط الراهنة، الرهان الوحيد على نجاح الاستراتيجية السعودية في المواجهة مع ايران، لكن لا جواب حتى الان حول كيفية مواكبة التطبيع السعودي مع اسرائيل؟ ولا حول كيفية تسويق «جبهة النصرة»، لكن يبقى الرهان على الوقت «مغامرة» ستكون لها اثمانها الكبيرة خصوصا اذا ما حاولت السعودية استغلال «العصا الاسرائيلية الغليظة» لتأديب اعدائها، عندئذ سيتغير «وجه المنطقة» لان الطرف الاخر مستعد جدا «لقلب الطاولة» على الجميع وهذه المرة لا توجد «خطوط حمراء»… كلام لمح اليه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سابقا ويفترض ان يذكر به في اطلالات مرتبطة بذكرى الانتصار «الإلهي» في تموز..