IMLebanon

ماذا سيفعل «حزب الله» إذا تقسَّمت سوريا؟

منذ اليوم الأول، حصر «حزب الله» قتاله في سوريا ضمن مناطق محدَّدة، قريبة من البقعة الحدودية ومناطقه في لبنان. ولأنّ أحداً لا يهدر الدمَ مجاناً، و»على أرضٍ غريبة»، لم يرسل «الحزب» مقاتليه إلى شرق سوريا وشمالها. إنه يعرف جيداً «حدودَه»!

 

الجميع في سوريا عاجزون عن السيطرة الكاملة. وترتسم ملامحُ الخرائط الجديدة تدريجاً. وقد تختلف السيناريوهات حول حدود كلِّ منطقة، لكنّ أحداً لم يعد يشكّ في أنّ سوريا مقبلة إما على صراعٍ دموي لا ينتهي وإما على التقسيم… وإما على الخيارَين معاً!

وفي لبنان أسئلة عن الخيارات التي سيسرسو عليها في كلّ حال من أحوال سوريا. فلا يمكن أن يستمرّ لبنان على حاله القديمة إذا تغيَّرت سوريا، لأنّ القوى الفاعلة وصاحبة القرار في لبنان تخوض معركتها مباشرة هناك، وتبني حساباتها المصلحية لا على الأساس اللبناني، بل على أساس المعارك الإقليمية في سوريا والعراق واليمن وسواها.

وثمّة كلام كثير على ما سيفعله «حزب الله» عند بلوغ سوريا مرحلة الفرز. ويعتقد البعض أنّ «الحزب»، الذي قدّم الكثير للدفاع عن مناطق النظام، لن يغادرَ أرض المعركة ويعود إلى دياره اللبنانية «وكأنّ شيئاً لم يكن».

وهنا يمكن تسجيل ملاحظات عدة:

1- يُفترَض أنّ «الحزب» هو شريك في قطف الثمار في سوريا. وربما يكون الرئيس بشّار الأسد في خطابه الأخير قد مهّد لذلك بقوله إنّ «الوطن هو للذي دافع عنه».

2- إنّ أيّ تغيير في سوريا سينعكس تغييراً في لبنان. ولا يمكن أن يعود «الحزب» إلى لبنان ما لم يرسم الصيغة اللبنانية التي تحفظ له المكاسب التي تحققت في سوريا.

3- ليس مضموناً أن تستغني منطقة النفوذ العلوية عن دعم «حزب الله». فإيران تقود كلّ جيوشها في الشرق الأوسط وكأنها ألوية في جيش واحد، ولا قيمة هنا للحدود المرسومة بين الكيانات. وقد لا يغادر «حزب الله» سوريا على الإطلاق.

لكنّ هناك كلاماً جدّياً في بعض الأوساط مفاده أنّ «حزب الله» سيقيم دويلة شيعية على الأراضي اللبنانية المحاذية للدولة العلوية التي يقيمها الأسد

على الأراضي السورية، فتكون ظهيراً لها. ولذلك، ليس من مصلحته تسليم سلاحه وقراره إلى سلطة لبنانية مركزية إلّا إذا تحقَّقت له السيطرة الكاملة والثابتة والدائمة على هذه السلطة. وهذه السيطرة مستحيلة في بلدٍ كلبنان.

ويذهب البعض إلى القول إنّ منطقتَي النفوذ العلوية والشيعية ستشكلان إطاراً جيوسياسياً واحداً. فـ»الدولة الشيعية- العلوية» ستقوم على أراضٍ من سوريا (السابقة) ولبنان الحالي الذي تنهار فيه المؤسسات تباعاً، ويقترب من أن يصبح «سابقاً»، بسعيٍ من «حزب الله» نفسه.

في أيّ حال، القاسم المشترَك بين الخيارين هو أنّ لبنان وسوريا لم يعودا، ولن يعودا، قائمين بالصيغتين القديمتين. وإذ تنتهي سوريا كإطار جيوسياسي واحد، سيكون لبنان في وضع ميؤوس منه أيضاً إذا لم يجرِ ابتكار الحلول الخلاّقة تحت العَلَم الموحَّد، وإذا لم يتغلَّب التواضع والحكمة على المكابرة والمقامرة.

وأظهر الأسد في خطابه الأخير رغبة في تسريع الأمور بعدما بلغت مرحلة معينة من النضج السياسي والعسكري. وكذلك تبدو السرعة مناسِبة لـ«حزب الله» لأنّ الأكلاف التي يدفعها في سوريا يومياً كبيرة، خصوصاً في أرواح مقاتليه، بل هي أكبر من قدرة أيّ فئة لبنانية على التحمُّل.

ولولا التعبئة العقيدية العميقة التي عمد إليها «الحزب» في بيئته الشيعية، لما تحمَّلت هذه البيئة حجم الخسائر التي لا أفق زمنياً واضحاً لها. واستعجال «الحزب» في سوريا يدفعه إلى التمهُّل في إقرار أيّ شيء في لبنان.

وإذ يجهد محوَر الأسد- «حزب الله» للخروج من وضعية الإرباك الناتجة عن تشابك الخرائط العسكرية، ويعمل جاهداً للحسم في «المناطق العالقة»، فإنه يصطدم بعقبات هائلة بدءاً بدمشق وأريافها، وصولاً إلى حمص وحماه وحلب وأريافها.

ويدرك الأسد و«حزب الله» أنّ مساراً طويلاً من الصراع العسكري في انتظارهما… ومن الأفضل أن تأتي التسويات سريعاً. وهذا الهدف مطلوب من إيران تحقيقه بعد إنجازها الاتفاق حول النووي مع الغرب.

فالحرب في سوريا- إذا كان مكتوباً لها أن تنتهي- لا يمكن أن تنتهي بانتصار فريق على الآخر عسكرياً، بل بتدخُّلات خارجية مباشرة، ضمن توافقات دولية وإقليمية كبرى تشمل مناطق الشرق الأوسط كافة. وأما المعارك الجارية فوظيفتها تحضير الأرضية العسكرية والديموغرافية لتنفيذ المخططات المرسومة على الورق.

واليوم، يتسابق المتقاتلون المرهَقون لإحكام السيطرة على دمشق. والمثير هو أنّ الجميع مصابٌ بالإرهاق ويريد التوقف عن القتال، ولكنّ الجميع أيضاً يشتهي القتال لتحصيل أكبر المكاسب قبل التسويات.

وستكون الكارثة إذا تأخرت هذه التسويات كثيراً أو كان ممنوعاً تحقيقها. عندئذٍ «لن يبقى مَن يخبِّر» في سوريا ولا مَن يتبلَّغ النتائج في لبنان!