IMLebanon

عندما يتخطى «حزب الله» حلفاءه

قرار مجلس التعاون الخليجي اعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية لن يقتصر على دول المجلس، فمن المتوقّع انضمام دول أخرى عربية وغير عربية إلى القرار أو اتخاذها قرارات مماثلة. الأمر جدي ومستمر، على رغم محاولة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله التخفيف مسبقاً من سطوة القرار، على طريقته، إذ شهدنا له قبل ساعات من صدور القرار، خطاباً تلفزيونياً يحاول فيه الفصل بين السلم الأهلي اللبناني ومواجهة حزبه السعودية ودولاً أخرى بالسياسة وبالحرب، مع تأكيده التدخُّل في اليمن. وهي فكرة غريبة أن يندرج حزب لبناني متعسكر في السلم الأهلي مع سائر المواطنين، وينشط في الوقت نفسه سياسياً وعسكرياً في مواجهة دول عربية شقيقة وصديقة لها حضورها العميق في لبنان، وتحظى بتأييد الغالبية، لكون العلاقة معها عابرة المناطق والطوائف.

لا يستطيع «حزب الله» النأي بلبنان عن معاركه ضد دول عربية مهمة، فالوطن الصغير لا يتحمّل هذه الفكرة غير المسبوقة وغير المعقولة. واستحالة النأي ستؤدي إلى زج لبنان في حرب مع الداخل العربي لا يرتضيها مواطنوه، ولم يسبق أن واجهوا مثل هذا الموقف الذي سيؤدي بالضرورة إلى نزاعات أهلية لا نزاع أهلي واحد.

وإذا كان قائد «حزب الله» أعفى حلفاءه المحليين من تأييد موقفه طالباً حصر المعركة بحزبه من دون سائر اللبنانيين، فإن هؤلاء سيعتبرون كلامه غير واقعي، لأنه وأعضاء حزبه لا يسكنون جزيرة معزولة.

والقرار الخليجي الذي يصبغ بالإرهاب «ميليشيات حزب الله، بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها»، سيجرى تنفيذه في سياق القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب المطبّقة في دول المجلس والمماثلة لها في دول العالم. ومثل الأمواج المتلاحقة سيلمس اللبنانيون تباعاً نتائج هذا القرار الذي يطبّق في التعاملات بين الدول وبين الشركات وبين الأفراد، مع الخضوع لرقابة مشددة لتأكيد خلوّها ممّا وممّن له علاقة بـ «حزب الله».

عندما انسحبت إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة في 25 أيار (مايو) 2000، أهدى نصرالله التحرير إلى اللبنانيين كلهم، كما حظي التحرير بفرح العرب كلهم. كان ذلك التاريخ مفترقاً، إذ اقترح كثيرون على «حزب الله» ضم مقاتليه إلى الجيش اللبناني أو في إطار عسكري يخضع لإمرة قيادة الجيش، فلم يقبل ومضى في نشوة النصر إلى مداها الأوسع، فرشّح عناصر منه في الانتخابات ليصبحوا نواباً لهم كتلة في البرلمان، مبقياً عسكرييه في إطارهم السرّي المنفصل عن القوى الأمنية الشرعية، ليصل به الأمر إلى القتال في سورية وأبعد منها، حتى اليمن. وبذلك أرهق «حزب الله» اللبنانيين وحمّل مجتمعهم المتنوّع عبئاً تعجز عن تحمُّله مجتمعات الإمبراطوريات المتماسكة.

ما يعانيه لبنان من طغيان الميليشيا على الدولة ظاهرة عربية وإسلامية وليس حالة خاصة بالوطن الصغير، ونشهد اجتماعاً للاقتصاد المافيوي والفساد والحركات السياسية المتعسكرة كعناصر بنيوية قيد النشأة، وهي، مع الانهيارات في مجتمعاتنا، ستصبح بديلة من الدولة الحديثة، ولكن، في صيرورة تدميرية تُخرج بلادنا من العالم المتحضّر. ويلاحظ كثيرون، في مقدمهم عزيز العظمة، انتشاراً لنظرية الاستثناء الإسلامي وإخراج المسلمين من السياقات العالمية. ويجري دمغ المسلمين بعلامة ثابتة: إن مستقبلهم لا يمكن أن يكون إلا استعادة لماضيهم، وإن تاريخهم الحديث بما فيه دولهم (بمؤسساتها الدستورية وحياة المواطنة فيها) مجرد زيف وخداع للذات.

هذه الفكرة المتسرّعة التي اعتمدها باراك أوباما بمباركته أحزاب الإسلام السياسي في بلادنا، تصطدم بحقائق اليوم الدموية: صدام ميليشيات إسلامية بميليشيات إسلامية أخرى، والفارق خليفة ومرشد، أو سنّة وشيعة.