IMLebanon

أيهما سرّ المبادرة: إنتخاب فرنجيه أم عودة الحريري؟

لم تنقضِ الجلسة الـ 33 لانتخاب الرئيس كأي موعد عابر فحسب، بل لم توحِ بتأثرها بما نجم عن اجتماع باريس بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه. كأن شيئا لم يقع، او كأن الاستحقاق الرئاسي لا يزال في النقطة الصفر

احدث اجتماع باريس بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه اكثر من صدمة في مسار انتخاب رئيس الجمهورية الذي بات، بازاء فريقي 8 و14 آذار، امام تحديات شتى على حد السيف:

اولها، اضحى للاستحقاق مرشحان وحيدان هما الرئيس ميشال عون ونائب زغرتا، مع انكفاء حظوظ المرشحين الآخرين في قوى 14 آذار وخارجها. الاول يتمسك به الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله شرطا لذهاب الثنائي الشيعي الى جلسة انتخاب الرئيس، والثاني يتمسك به الحريري على انه مرشح فريقه كمعبر الى امرار الاستحقاق والخروج من مأزق الشغور الرئاسي.

بعد شهور طويلة من المحاولة، اخفقت مناورة اسقاط ترشيح عون من خلال ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كي يُرغم الجميع على الذهاب الى مرشح ثالث بمواصفات ثالثة. فاذا مبادرة الحريري لم تكتفِ بتكريس الغاء ترشيح حلفائه كجعجع والرئيس امين الجميل والوزير بطرس حرب فحسب، بل راحت الى تكريس الخيار المعاكس، وهو تبني مرشح من قوى 8 آذار يُشعر الحريري بأن في وسعه وحده الغاء ترشيح عون، على ان الثمن الموازي له عودته الى السرايا. الا ان المناورة الجديدة اخفقت بدورها، وابقت رئيس تكتل التغيير والاصلاح في واجهة الاستحقاق.

لم يفشل ترشيح فرنجيه في اقصاء عون فقط، بل اعاد اصطفاف نائب زغرتا ــــ من دون تخليه عن ترشيحه هذا الذي وضعه في موقع متقدم غير مسبوق قبلا ــــ وراء الاولوية والافضلية اللتين يقول بهما نصرالله: لم يستنفد عون حظوظه كي يفكّر حلفاؤه في مرشح بديل سواه.

ثانيها، ما دام حزب الله يضع ترشيح عون في رأس سلم انتخاب الرئيس، يفضي ذلك الى ربط هذا الانتخاب بأحد اربعة خيارات متاحة يدرجها مع حلفائه: عون رئيسا مع تسوية، عون رئيسا بلا تسوية، فرنجيه رئيسا مع تسوية، فرنجيه رئيسا بلا تسوية. على ان فحوى ما تعنيه الخيارات الاربعة هذه، ان الحريري وحده هو رئيس اولى حكومات العهد الجديد. في ما مضى ابان مرحلة التفاوض بينهما، كاد الحريري وعون ان يتفقا على المعادلة الثنائية هذه قبل ان يسقط عامودها الفقري بتعذّر انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح رئيسا للجمهورية. في التفاوض الاخير بين الحريري وفرنجيه بُعثت ثنائية الترئيس نفسها بينهما بطريقة مطابقة. بذلك لم يعد في الامكان التحدث عن مواصفات رئيس كعون وفرنجيه لا يكون شريكهما في الحكم الحريري بالذات. من دونهما لا مكان له في السرايا.

لم يخض الحريري في اجتماع باريس في انتخاب الرئيس مقدار ما كان يخوض معركة الاتفاق على الرئيس الجديد للحكومة، رغم ان لا ترابط مباشر بينهما. بل من غير الضروري ــــ تبعا لتباين الآليات الدستورية التي ترعى ترئيس كل منهما على حدة ــــ ان يفضي انتخاب هذا الرئيس الى تعيين ذلك الرئيس. يحتمي انتخاب رئيس الجمهورية بأوسع قاعدة نيابية له انطلاقا من حضور ثلثي البرلمان على الاقل، في معزل عن الاصوات التي يحوزها في دورات الاقتراع. اما رئيس الحكومة فيكتفى بتسميته بالاكثرية المطلقة او الاكثرية النسبية حتى من بين اسماء عدة مرشحة، وتكون جزءا لا يتجزأ من ائتلاف الكتل النيابية الرئيسية.

ومع ان ظاهر المشكلة تحفظ حزب الله عن الطريقة التي اتبعت في ترشيح فرنجيه، وهو احد خياراته المثلى رئيسا للجمهورية، على ان المشكلة الفعلية تكمن في ان الحزب لا يزال يرفض عودة الحريري الى السرايا من خلال اظهارها على انها الثمن المقابل لانتخاب مرشح من قوى 8 آذار كفرنجيه.

ثالثها، لم يقل حزب الله حتى الآن انه ضد انتخاب فرنجيه، ولا قال حتما انه يؤيده. لم يطلب منه الترشح في موازاة استمرار مرشحه الاول، ولم يطلب منه ايضا الانسحاب. على انه اخذ عليه ضمنا اصغاءه الى الحريري في اجتماع باريس يعرض سلسلة من المطالب لمّح الى ادراجها على انها تسوية يتوّجها انتخابه رئيسا للجمهورية، ويكرّس تطبيقها وجود الحريري على رأس الحكومة.

لعل اطرف اسئلة الحريري الى فرنجيه استفساره منه ــــ وفي قرارة نفسه يقتضي ان يكون يتوقع الجواب ــــ هل يزور بعد انتخابه دمشق للاجتماع بالرئيس بشار الاسد في حال استمر على رأس بلاده؟ والى ما شاع عن اللائحة، مطالبة الحريري بموازنة مستقلة للهيئة العليا للاغاثة لا تمر بالهيئات الرقابية وأخصها ديوان المحاسبة، وتشريع انفاقها المعلق منذ عام 2006.

الاصح في ما عنته سلسلة المطالب انه يخوض معركة استعادة السرايا اكثر منه انهاء الشغور الرئاسي. وهو مغزى ما التقى عليه نصرالله والاسد بعد اجتماع فرنجيه بهما على التوالي: تأخذ الرئاسة ويأخذ كل الحكم وكل السياسة.